المواد / المقالات / مناقشة فتوى الأزهر في الاحتفال بعيد الميلاد

مناقشة فتوى الأزهر في الاحتفال بعيد الميلاد

تاريخ النشر : 3 ذو القعدة 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 6705
مشاركة هذه المادة ×
"مناقشة فتوى الأزهر في الاحتفال بعيد الميلاد"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

مناقشة فتوى الأزهر في الاحتفال بعيد الميلاد

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وبعد .

فقد اطلعت على الفتوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية، فيما يتعلق بالاحتفال بعيد الميلاد الشخصي ، أو مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الموالد، فرأيت إبراء للذمة، وأداء للأمانة أن أناقش تلك الفتوى، خاصة ما يتعلق بجانب الدليل، واستعماله في غير محله، فأقول وبالله التوفيق:

أولا: فيما يتعلق بالاحتفال بمولد الشخص، فليس بالضرورة أن ننتهي إلى الحكم بالتحريم، لكن حينما يرى فقيهٌ الجوازَ، فلابأس، لكن عليه أن يسوق من الأدلة ما يوافق الشرع، وما يرضيه حينما يقف بين يدي الله تعالى.

ثانيا: فيما يتعلق بالأدلة الواردة في الفتوى، فقد سيق فيها الآتي:

- قوله تعالى على لسان نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام: ( والسَّلامُ علي يومَ ولِدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبْعَثُ حيًّا).

الجواب: إن غاية ما في الآية أن نبي الله عيسى عليه السلام يدعو لنفسه بالسلام يوم مولده، ويوم يموت، ويوم بعثه حيا، فلا أدري كيف يُستفاد من هذه الآية جوازُ احتفال الشخص بيوم مولده؟! ومَنْ هذا الشخصُ الذي يصل في المنزلة الكريمة التي نزل الله إياها نبيه عيسى عليه السلام، حتى يجعل يومَ مولدِهِ يومَ احتفالٍ، ودعاء بالسلام؟!

مع كون مولد عيسى على وجه الخصوص له وضع خاص، وكذا وفاته، وكذا يوم يبعث حيًّا، فتلك أحوال خاصة، خارجة عن المعتاد، وفضلٌ كبيرٌ لنبيٍّ من أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، فكون الله يجري على ألسِنَةِ من قرأ القرآن هذا الدعاء أمرٌ في غاية الحكمة.

فهذا الاستئناس من محرِّري الفتوى في غير محله.

- حديث أبي قتادة الأنصاري في صحيح مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن صومِ يوم الاثنين؟ فقال: (ذاك يوم ولدتُ فيه، وفيه بعثتُ أو أنزلَ علي فيه ) واستفاد منه محرِّرُو الفتوى أن يومَ مولد الإنسان نعمةٌ توجب الشكر عليها، وفيهالإشارة إلى الاحتفال بأيام النعم كلها ..إلخ!!

الجواب: يجاب عن ذلك بتوجيه سؤال مهم جدالهم: أين الصحابة رضي الله عنهم عن هذا الفهم؟! أليس أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم هم أعلمُ الناسِ بمراد الله ورسوله ؟! لِمَ لَمْ يفهموا من هذا النص هذاالمعنى الفريد؟!

فأين أبو بكر رضي الله عنه من الاحتفال بمولده؟ وأين عمر وعثمان وعلي وسائر العشرة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، من تلك الاحتفالات؟!

ثم أين في النص الاحتفال بالمولد؟! إنما هو صومُ ذلك اليومِ شكرا لله تعالى؛ معللا إياه بنعمٍ عظيمةٍ على هذه الأمة في هذا اليوم، لا يمكن أن يساوي النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيها أحدٌ، فهو اليومُ الذي وُلد فيه، وهو اليومُ الذي أُنزل عليه فيه، فكان من الحكمة البالغة شكر الله على هذه النعمة.

ولو كان هذا يتعدى  لغير النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان أولى الناس بعده أبو بكر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم، فلمَّا لم يحتفلوا -وهم أعلم هذه الأمة بعد نبيِّها- عُلم أن النصَّ لم يُفد هذا المعنى الغريبَ الذي استظهره محرِّرو الفتوى.

مع كون صوم الاثنين والخميس ورد فيهما تعليل آخر، وهو أنهما اليومان اللذان تُعرض فيهما الأعمالُ على الله فقال صلى الله عليه وسلم: "وأحب أن تعرض أعمالي وأنا صائم"، وهذه علة أخرى لصومِ النبي صلى الله عليه وسلم لهذا اليوم، لا علاقة لها بالمولد، ومن الناحية الأصولية يكون صومهما عُلل بثلاث علل، ولا يجوز قصر الحكم على ما هو بمثابة جزء العلة.

ثم إنه من المعلوم الفضل الذي عاد على هذه الأمة بمولد محمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فنصومه شكرا لله على أن امتنَّ علينا بإرساله فينا صلى الله عليه وسلم، فهل ثبت هذا الفضل لأحد غير نبيها صلى الله عليه وسلم، حتى يحتفل بمولده؟!!

كما نصومه حتى تعرض أعمالنا على الله ونحن صائمون.

ثم مع كون الأمر بهذا الشكل، فإن الصحابة رضي الله عنهم مع ذلك لم يكونوا يحتفلوا بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا في يوم الاثنين ولا في غيره، وهو سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن النصَّ لم يفد هذا البتة.

- ما ساقه المحرر من جملة أدلة في استحباب إدخال السرور على قلب المسلم!

وهذا لعَمْرُ الله في الاستدلال بديع!! تلك النصوص العامة في استحباب إدخال السرور على قلب المسلم هي نصوص حقٌّ، لكن أريد بها باطل.

فلا شك أن إدخال السرور على قلب المسلم عملٌ جليلُ القدرِ، لكن يجب أن يكون وفقَ الأصولِ الشرعيةِ، فإدخالُ السرور عليه بإهدائه محرَّمًا لا يجوز، فقد يُسرُّ المسلمُ بالأمور المحرمة، من رقصٍ وغناءٍ ولهوٍ ودخانٍ وأشرطةِ مجونٍ ونحوه، فهل تجوز تلك المحرمات كلها، لأنها داخلة فيما يحصل به إدخال السرور على قلب المسلم؟!!

إدخال السرور على قلب المسلم يكون بما يوافق شرع الله، كعيادته عند المرض أو اتباع جنازة من يعنيه شأنه، أو زيارته ، أو صلته إن كان قريبا، أو إهدائه مباحا، أو السؤال عنه، فتلك المباحات والمسنونات هي التي يراد بها النص، أما إدخال السرور عليه بما يخالف الشرع فهذا باطل، ولا شك.

وفي الأخير أوصي نفسي والجميعَ بأن يتحروا فهم الصحابة رضي الله عنهم للنصوص، والتطبيق العملي لهم، فإنهم خير هذه الأمة، وأعلم هذه الأمة، وفي اتباعهم خير كثير، وفي البعد عنهم ومجافاتهم خطر كبير، وفقني الله وإياكم لفهم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما ظاهرا وباطنا، والله الموفق.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 18/2/1434هـ

 

 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف