ضمان رأس المال مطلقا لا يكون إلا في عقد القرض.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن كثيرا من الناس يديم السؤال عن السبب الذي يجعل العلماءَ يجمعون على تحريم أخذ فائدة من البنك على الأموال المودعة فيه، وأنه كيف ينعقد إجماع من الفقهاء المعاصرين على اعتبار الفائدة المأخوذة من المال المودع في البنك من الربا الصريح؟!
ولبيان هذا الأمر يجب أن نعرف بإيجاز نوع العلاقة بين العميل وبين البنك من حيث التوصيف الفقهي، وهو منحصر في علاقات ثلاثة:
فإما أن يكون العميل مضاربا مع البنك.
وإما أن يكون مودعا فقط.
وإما أن يكون مقرضا للبنك.
فالعلاقة منحصرة في تلك العقود الثلاثة: إما مضاربة أو وديعة -والمراد هنا الوديعة في لسان الفقهاء وليس المصطلح البنكي- أو قرض.
وهذا يجرُّنا لأن نعرف -بشكل مختصر- حقيقة هذه العقود الثلاثة فيما يتعلق بضمان رأس المال، وعلى أساسه تتبين العلاقة جليةً بين البنك والعميل.
اعلم أنه فيما إذا كان العقد مضاربة أو وديعة، فرأس المال لا يضمن مطلقا، على المضارب أو الشخص المستودع، إلا فيما إذا حصل منه تفريط أو تعدٍّ، فإن فرَّط أو تعدى المضارب ضمن رأس المال، وكذلك إذا فرَّط أو تعدَّى الشخص المستودع ضمن رأس المال، وفيما سوى ذلك لا يضمن رأس المال، فإن تلف المال في يد المضارب، وقد احتاط في حفظه، فليس عليه ضمان، وكذلك مستودع الأمانة، إن سرقت عنده أو تلفت، ولم يتعدَّ ولم يفرِّط لم يضمن.
فهذان العقدان لا يُضمن فيهما رأس المال مطلقا، إنما يضمن بالتعدي أو التفريط.
أما عقد القرض، فإن المقترض يضمن رأس المال مطلقا، أي بكل حال، سواء تعدى أم فرط، أم لا، فإن اقترض شخص من آخر مالا، ثم سُرق المال أو تلف في يد المقترض، وهو لم يتعدَّ، ولم يفرِّط، فإنه يضمن رأس المال بكل حال، ولا يتأتي أن يقول للمقرض: إن المال سُرق مني، بل يُطالب بالسداد مطلقا، ولا يُنظر لمسألة التعدي والتفريط، مادام العقد قرضا.
إذن، فلا يُضمن رأس المال مطلقا إلا في عقد القرض، أما عقد المضاربة والوديعة، فيضمن رأس المال بالتعدي أو التفريط.
بعد هذا البيان ، ننظر في حال البنك مع العميل:
فيما إذا أودع شخص مالا للبنك، ثم سُرق المال من البنك أو تلف أو خسر في التجارة ونحوه، هل يضمن البنكُ للعملاء أموالَهم أم لا ؟
الجواب: يضمن بكل حال، ولا يتأتَّى أن يقول البنك للعملاء: المال تلف، أو خسرت التجارة ونحوه، فالمال ثبت في ذمة البنك عند الإيداع مطلقا.
بل إذا قال البنك عند بداية التعامل مع العميل: إنه في حال الخسارة أيها العميل تخسر معنا، وفي حال الربح تربح 13% مثلا، فلن يقبل العميل أن يودع المال عندهم، فهو يودعه ليربح فقط.
وهو بهذا يعني أن العميل يضمِّنُ البنكَ رأسَ المالِ مطلقا، ولا يتحمل أيَّ قدرٍ من الخسارة، وهذا ما يجعل العلاقة بين البنك والعميل -حسب البيان السابق- علاقة مقرض لمقترض، وليست علاقة مضاربة، ولا وديعة (باللسان الفقهي).
فإن تقرَّر كونُ العلاقة بين البنك والعميل علاقةَ قرض تبين أنه لا يجوز دفع ريال واحد فائدة على أصل المال، لأنه في تلك الحال يتحوَّل إلى قرض جرَّ نفعا، فيكون ربا، وهذا هو مربط الفرس، وهو ما جعل العلماء يجمعون على أن علاقة العميل مع البنك في حال ضمان رأس المال مطلقا علاقة قرض، فلا يجوز دفع زيادة من البنك على أصل المال، حتى لا يتحول إلى قرض جر نفعا.
والله ولي التوفيق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 18/6/1433هـ