الدم النـازل بعد الإجهاض لا يكون نفاسا إلا بعد التخليق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الإجهاض له أحوال ثلاثة، وبناء على تلك الأحوال يتبين حكم الدم النازل بعده، وتلك الأحوال الثلاثة مبنية على أساس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملَك فينفخ فيه الروح .. الحديث"
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن خلق الجنين في بطن أمه يمر بهذه المراحل الثلاثة: نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم يؤمر الملَك بنفخ الروح.
كما دل القرآن صريحا على أن تخليق الإنسان في بطن أمه يكون في مرحلة المضغة، أي عند بداية الثمانين يوما، قال الله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ }[الحج]
وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا }.
وهذا يعني أنه بعد تمام ثمانين يوما، تكون المضغة إما مخلقة أو غير مخلقة، وبعد تمام مائة وعشرين يوما ينفخ الروح.
وقد اتفق الفقهاء على أن النفاس هو الدم الخارج عقيب الولادة، ولا يكون نفاسا إلا بعد تخليق الإنسان، بتخليق بعض الأعضاء، كاليدين والرجلين والرأس، وهو أمر يعرفه الأطباء، وبناء على هذا فالإجهاض له تلك الأحوال الثلاثة:
الأولى: أن يكون بعد نفخ الروح، فالدم النازل دم نفاس، قولا واحدا، يجب فيه ما يجب في دم الحيض، من ترك الصلاة والصوم والجماع.
الثانية: أن يكون قبل الثمانين يوما، فهو ليس دم نفاس في قول الجمهور، لاحتمال ألا يكون حملا أصلا، بل دم متجمع، ونحوه، وحينئذ فهو دم عرق، تأخذ فيه المرأة أحكام المستحاضة، فتصلي وتصوم ويحصل الجماع، لكن تتوضأ بعد دخول الوقت، إذا أرادت أن تصلي.
الثالثة: أن يكون الإجهاض بعد الثمانين، وقبل مائة وعشرين يوما، وهو في مرحلة المضغة، فينظر فيه إلى التخليق وعدمه، فإن كان قد حصل التخليق فهو دم نفاس، فتترك الصلاة والصوم والجماع، وإن لم يحصل تخليق، فهو دم عرق، فتكون فيه كالمستحاضة، وهذا في قول جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة، وهو الذي اختاره الشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهما رحمهم الله.
تنبيه:
تكاد تتفق كلمة علماء المسلمين على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، أي بعد مائة وعشرين يوما من بداية الحمل، أما قبل ذلك، فمن أهل العلم من يبيحه مطلقا، ومنهم من يبيحه مع الكراهة، ومنهم من يفرق بين الأربعين الأولى من الحمل، ومابعدها إلى نفخ الروح، والله تعالى أعلم.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 29/10/1433هـ