كفارة تأخير قضاء صوم رمضان.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الله تعالى امتن على هذه الأمة بتيسير كبير في التشريع، فأوجب الصوم، ولما علم أن من الناس من قد يعجز عن إتمامه لمرض ونحوه، جعل لهم فسحة في الفطر، ثم القضاء عند المقدرة، فقال تعالى: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185، فأباح الله تعالى لمن كان معذورا الفطر في رمضان، ثم القضاء بعده.
ولا شك أن المبادرة بالقضاء هو الأحوط للمسلم، ولا ينبغي له التراخي فيه، فمتى سنحت الفرصة، واستطاع القضاء، كان عليه أن يقضي ما عليه من أيام؛ لذا كان من فقه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تتعدى السنة حتى تقضي أيامها، فقالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أخرجه البخاري ومسلم .
أما من أخَّر القضاء حتى دخل رمضان آخر، فهذا له حالان:
الأولى: أن يكون بعذر، فهذا لا إشكال في وجوب القضاء عليه، دون أن يكفِّر، وهذا محل اتفاق.
الثانية: أن يؤخِّر القضاء، بدون عذر، فقد اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة عليه، فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب الكفارة عليه، استدلالا بآثار عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما، واستدلالا بأثر عائشة المتقدم في مبادرتها بالقضاء قبل دخول رمضان، فهذا مُشعِر بأن التأخير حتى دخول رمضان آخر لا ينبغي.
وذهب الحنفية إلى عدم وجوب الكفارة، نظرا لكون الله تعالى لم يلزم العباد بأكثر من الإطعام، وهو ما اختاره الإمام البخاري في صحيحه، فقد نقل عن النخعي قوله : "إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ" .
ثم قال البخاري : "وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ ، إِنَّمَا قَالَ : ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )" اهـ.
ومعلوم أنه ليس في النصوص من الكتاب والسنة ما يشعر بوجوب القضاء قبل دخول رمضان آخر، غير أن المسلم لا ينبغي له أن يتوسع في الرخصة، ويبادر بالقضاء قبل أن يفجأه الموت.
ثم إن كفَّر بإطعام مسكين عن كلِّ يومٍ أخَّر قضاءه كان حسنا، غير أنه ليس على سبيل الوجوب، إنما هو استحبابا، وأخذا بفتوى الصحابة رضي الله تعالى عنهم، أما الإيجاب فهو إلزامٌ للعباد بما لم يلزمهم الله تعالى به، وهو مخالف لصريح القرآن الذي لم يوجب أكثر من القضاء، والله تعالى أعلم.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 26/8/ 1433هـ