القروض البنكية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
يكثر جدا -وبشكل مروِّع- السؤال عن القروض البنكية، فهي مسألة طمَّ بها الفساد، وشاع وانتشر بحيث لا يخلو بلد إسلامي من كثرة غالبة من البشر يقبِلون على القروض البنكية، بدعوى الحاجة الماسة إما إلى الزواج أو شراء شقة أو شراء سيارة .. إلخ.
وقد أجبت مرارا على هذه المسألة، وبينت خطر القرض البنكي؛ لأن القرض البنكي لا يُتصوَّر أن يكون قرضا حسنا بحال من الأحوال، بل هي قروض ربوية، لا يمكن أن تنفك عن الفائدة عند السداد، وربما وضعت بعض البنوك مضاعفات عند تأخر السداد، فتكون صورةً من صور قلب الدين، وليعلم المسلم أن الربا أمره خطير، ففي الكتاب أن الذي يأكل الربا ويصرُّ على ذلك مُعلَن بحرب من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{278} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ{279}البقرة، وهذا وعيد شديد من رب العالمين.
وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء.
والذي يعطي الفائدة للبنك -ولو كان محتاجا- هو ممن يُؤْكِلون الربا غيرَهم، فهو داخل في اللعن لا محالة.
وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا ).
وعن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ).
فالربا يجري في بيع النقد بالنقد، سواء كان ذهبا أم فضة أم نقدا يقوم عنهما، فلا يجوز المفاضلة بينهما، وفي القرض الأمر أعظم؛ لأن فيه تأخيرَ قبضِ أحدِ العوضين، فيجتمع فيه في هذه الصورة ربا الفضل والنسيئة، وإنما جازت النسيئة في القرض الحسن لكون مصلحته تربو على مفسدته.
والنصوص في ذلك كثيرة، ويزداد التحريم، فيما إذا كانت الفائدة تتضاعف عند تأخر السداد، فيدخل هذا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }آل عمران130.
والمخرج من ذلك عند الحاجة الشديدة هو بالتورُّق العادي، فقد أجازه جمهور الفقهاء، وخالفهم فيه شيخ الإسلام، وهو أنه إذا اشتدت حاجة الشخص، ولم يجد مَنْ يقرضه قرضا حسنا، فله أن يشتري سلعةً بالتقسيط، ثم يبيعها على شخص آخر غيرِ البائع الأول، بالنقد، فيحصل بيده مبلغ نقدي، وتنشغل ذمته بثمن السلعة المقسط، الذي يقوم بسداده على أقساط، فهذا لا بأس به.
لكن إن باع السلعة على نفس البائع الذي اشترى منه بالتقسيط، كما يقع في كثير من البنوك ?وهو ما يسمى بالتورُّق المنظم- فهذا حرام في قول الجماهير المتقدمين والمعاصرين، وهو العِينة التي حرَّمها الشارع الكريم، فعند أحمد وأبي داود من حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ".
فليتق الله المسلم في نفسه ودينه، وليبعد كل البعد عن القروض الربوية البنكية، وليسلك الأبرأ لذمته، والأحوط لدينه، والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في السابع عشر من رجب لعام ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة