الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الدم الواجب في النسك ابتداء قسمان:
شكران، وجبران:
فالشكران هو دم هدي التمتع والقران، وهو شكر لله تعالى على تمام نعمته، بكمال النسك.
ودم الجبران: هو الدم الواجب لترك واجب، كما لو ترك المبيت بمزدلفة، مع القدرة عليه، أو ترك رمي الجمار في الأيام الثلاثة، أو تجاوز الميقات دون إحرام، ونحوه، فالواجب عليه في قول الجمهور دم يذبح، ويوزع على فقراء الحرم.
ومن دم الجبران: ما لو فعل المحرم محظورًا من محظورات الإحرام، واختار أن يفدي بالذبح؛ لأنه مُخيَّر في فعل المحظور، بين صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، فإن اختار الذبح، فإنه يذبحه ويوزع على فقراء الحرم أيضا.
موضع ذبح الدماء:
- أما هدي التمتع والقران وجزاء الصيد والدم الواجب لترك واجب، فإنه يجب باتفاق ذبحه في الحرم، مكة أو منى أو مزدلفة، ولا يجوز ذبحه في الحل، عرفات ونحوه، ولو ذبحه لم يجزئه في قول عامة أهل العلم، ويطالب بالذبح في الحرم مرة ثانية، وقد دل على وجوب كونه في الحرم القرآن في غير موضع، ولأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، ولأن الذبح من أجلِّ مناسك الحج والعمرة، والأصل أن غالبها في الحرم.
غير أنه في هدي التمتع والقران، له الأكل من هديه، وله الإهداء منه، وله الادخار، لكن يجب عليه إطعام فقراء الحرم منه، وليس له ذلك في سواه، بل يوزع كله على فقراء الحرم.
- وأما الدم الواجب بفعل محظور، من تطيب وتقليم أظافر أو وضع طيب أو تغطية الرأس بملاصق أو لبس مخيط أو وضع المرأة ما يشبه النقاب على وجهها، كالكمامة والبرقع ونحوه، فهذه كلها محظورات، فإن فعلها جاهلا أو ناسيا، فلا شيء فيها، ولو فعلها لحاجة فإنها تُوجِب فديةَ الأذى، فإن اختار الدَّمَ، فإنه يُذبح حيث فَعلَ المحظور، فإن فعله في الحل ذبح فيه، ووزع فيه اللحم على فقرائه، وإن ذبحه في الحرم ذبحه فيه، ويوزع اللحم على فقراء الحرم، ولا يجوز له الأكل منه.
ومِن فعل المحظور ما يوجب الدم فقط، وهو الجماع قبل التحلل الأول، ففيه بدنة، تذبح في الحرم، وتوزع على فقراء الحرام، ولا تخيير في هذا المحظور بين الأمور الثلاثة!
- وأما الدم الواجب بالإحصار، فهذا يذبح في محل الإحصار، ويوزع هناك، ولو ذبحه في الحرم، ووزع اللحم فيه، فهو أفضل، وله الأكل منه.
والخلاصة أن الدماء التي تذبح في النسك ونحوه على النحو الآتي:
- دم هدي التمتع والقران، ويذبح في الحرم وجوبا، ويأكل منها المُحرِم، ويهدي ويتصدق، فيجري عليه حكم الأضحية، لكن يجب أن يُطعم منها فقراءَ الحرم.
- دم الجبران، لترك الواجب، فهذا محل ذبحه الحرم وجوبًا، ويوزع كله على فقراء الحرم، ولا يجوز الأكل منه، لأنه عقوبة على المُحرِم.
- دم الجبران، لفعل محظور، لو اختار الذبحَ، فهذا يذبح في الموضع الذي فعل فيه المحظور، سواء الحرم أو الحل، ولا يجوز الأكل منه أيضا، باستثناء الجماع قبل التحلل الأول، ففيه البدنة مطلقا، دون تخيير، وتذبح في الحرم، وتوزع على فقرائه.
- الدم الواجب جزاءً للصيد، فيُذبح في الحرم وجوبًا، ويوزع على فقراء الحرم، ولا يحل له أن يأكل منه، لكونه عقوبة للصائد.
- دم الإحصار، وهو يذبح في الموضع الذي أحصر فيه، ويأكل منه ويأكل غيره، فهو دم للحل من النسك الذي تلبس به، فليس هو شكرانًا لعدم كمال النسك، ولا جبرانا، حيث لم يأتي بما يخل بالنسك أصلا، إنما للتحلل من نسكه الذي أحصر فيه، فيأكل هو منه، وغيره، من فقراء وغيرهم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 22/11/1446هـ