خزانة الفتاوى / عقيدة / معنى الجأر والاستغاثة الواردين في نصوص القرآن

معنى الجأر والاستغاثة الواردين في نصوص القرآن

تاريخ النشر : 3 شعبان 1441 هـ - الموافق 28 مارس 2020 م | المشاهدات : 1304
مشاركة هذه المادة ×
"معنى الجأر والاستغاثة الواردين في نصوص القرآن"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

  في خضم الأحداث التي أصابت المسلمين هذه الأيام، خرج جماعات من المسلمين، محبون للخير، يكبرون ويهتفون ويرفعون أصواتهم بالتكبير، من الشرفات والأسطح، وفي الشوارع،، وأفتاهم البعض بالجواز، ومتَّهِمِين من يمنع ذلك بالتشدد!! ومستدلين بالآتي:

قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، والشاهد: أن الجأر هو الصراخ، ورفع الصوت بالدعاء.
وقوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]، والشاهد: أن الاستغاثة: طلب الغوث.
والآيتان أنزلتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفهما الصحابة رضي الله عنهم، وعلموا المعنى الصحيح منهما، -وهم أعظم فقهاء هذه الأمة- وتقرَّبوا إلى الله تعالى بهما، وفق المنهج الصحيح الذي أراده الله تعالى لأمة الإسلام إلى يوم القيامة.
ومتقرر عند جماهير أهل العلم، أن عمل الصحابة وفهمهم للنصوص هو المنهاج الصحيح الذي لا مرية فيه، والذي لا تحصل السلامة إلا به، ومن شكك في ذلك فهو جاهل؛ إذ إن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وسخر له هذا الصحب الكرام، ليرسي المنهج الشرعي الصحيح للعبادة، على الوجه الذي أراده تعالى، إلى يوم الدين، فكل ما يتعلق بالعبادة منوطٌ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ومن لم يفهم هذا، أو ناقش فيه، فهو قصور في العلم، وخرق لأصول الإسلام.
وعليه، فما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الآيتين هو المعنى الصحيح، بلا أدنى شك، وهو ما يسمى بالجانب العملي التطبيقي للنصوص، وقد فهموا منهما أنه عند الملمات يجأر العبد إلى الله تعالى بالدعاء، ويلح عليه، ويستغيث ويبالغ، ولم يُروَ، لا في حديث صحيح، ولا ضعيف، ولا حتى موضوع مكذوب أنهم فهموا منه رفع الصوت بالدعاء أو التكبير أو غيره من صنوف الذكر، في الشوارع أو غيرها، ولو كانت الآيتان تفيدان هذا، لكان أولى الناس بهذا المعنى هم النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم.
وإنما ورد التكبير في الشوارع والطرقات في العشر الأول من ذي الحجة، وليس على وجه جماعي؛ عملا بتوجيه القرآن في ذلك، ولم يتجاوزا بالتكبير هذا الموضع، وهذا من عظيم فقههم.
ففهم الصحابة رضي الله عنهم المعنى العظيم المقصود من تلك الآيتين، وهو التوجه إلى الله تعالى بإلحاح وذلٍّ وخشوع وتوحيد خالص لله تعالى، لرفع الضر عنهم، وكشف ما حل بهم، وهم مع ذلك مهما بالغوا في دعائهم، فإنه لم يكن يتجاوز موضع دعائهم، ولم ترتفع أصواتهم بحيث يسمعها الآخرون، إنما وقف النبي صلى الله عليه وسلم موقف المستغيث في بدر، وهو يدعو الله تعالى، في موضعه، ويستغيث بالله، بصوت عالٍ، فكان هذا من جنس الدعاء في القنوت، وهو مشروع مسنون.
فعلى الناظر في النصوص، قبل أن يفتي الناس أن ينظر للجانب العملي التطبيقي لها، فلا يتجاوز عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فهم أعلم الناس بمراد الله تعالى، وأفقه هذه الأمة إلى يوم القيامة، ندِين لله تعالى بذلك، نحيا ونموت عليه، ونعلم يقينا أنهم أعمق الناس علما وعملا وديانة وورعا، وفقها وفهما، وتعظيما للنصوص وللشريعة.
** وأنبه إلى أنه من الخطأ بمكان الاستدلال بعمومات النصوص على ترويج البدعة، دون ربطها بفهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لها وعملهم، وهذا في جانب التعبد فقط، دون شؤون الدنيا.
فما صنعه هؤلاء هو من جنس استدلال المبتدعة بعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41]وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] فاصطحبوا تلك العمومات في إثبات سائر بدعهم، دون ردها إلى عمل وفهم النبي صلى الله علي وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، والله المستعان.
والله تعالى أعلم.

كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 4/7/1441هـ

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف