خزانة الفتاوى / الحديث / الجواب على حديث: (والثيب أحق بنفسها) في عدم لزوم الولي في نكاحها.

الجواب على حديث: (والثيب أحق بنفسها) في عدم لزوم الولي في نكاحها.

تاريخ النشر : 27 ربيع آخر 1442 هـ - الموافق 13 ديسمبر 2020 م | المشاهدات : 3561
مشاركة هذه المادة ×
"الجواب على حديث: (والثيب أحق بنفسها) في عدم لزوم الولي في نكاحها."

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد 
فقد أقامت الشريعة الوليَّ شرطًا مؤكدا في نكاح المرأة أيًّا كانت، بكرا أم ثيبًا، وعلى هذا جاءت نصوص الشريعة، بشكل صريح واضح جلي، قرآنًا، وسنةً، ففي القرآن جعل الله تعالى أمر الإنكاح للأولياء.
كقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221]، فالخطاب للولي.
وقال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] والأيم هي المرأة التي لا زوج لها، بكرًا كانت أم ثيبا، فخاطب بذلك الولي.
وقال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] والعضل هو منعُ الوليِّ موليته من العودة إلى طليقها، فبين الله تعالى في كتابه العزيز أن للولي الحقَّ في العضل، ولو كان عضله لا يؤثر، لم يكن لنهيه عن ذلك معنى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل .. الحديث) فجاء بلفظ: "امرأة" الشامل للبكر والثيب، ولو أراد البكر فقط لقال "أيما بكر" وكان أصرحَ وأدلَّ، فلما عدل عنه إلى "أيما امرأة"، كان دليلا على إرادة النساء عامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) وهو نص عام يشمل كل نكاح، سواء كان على ثيب أم على بكر.
فاشتراط الولي لصحة نكاح كل امرأة واضحٌ جليٌّ، لا مرية فيه، ولا شك.
بينما ذهب الحنفية إلى أن الولي ليس شرطا في صحة نكاح المرأة الثيب خاصة، والثيب: من سبق لها الزواج من قبل، واستدلوا لذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ، وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا، وَرُبَّمَا قَالَ: وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا).
ففي هذا الحديث أثبت الشارعُ للثيب حقًّا على وليها، ولم يترك أمر نكاحها لوليِّها، فهذا هو ظاهر الحديث، وهو ما حملهم على القول بأن الثيب تزوِّج نفسها، ولا يفتقر أمر تزوُّجِها لوليها!!
وعند النظر في الحديث، فإنه من حيث الدلالة، من قبيل الظاهر، وليس النصَّ، بخلاف الأدلة السابقة، فهي نصٌّ في الموضوع، وأن نكاح أي امرأة بغير ولي باطلٌ، وأن النكاح منفيٌّ شرعًا إلا بولي (لا نكاح إلا بولي) وهي أدلة عامة في المرأة مطلقا، وفي النكاح مطلقا.
أما حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فهو ظاهر الدلالة، وليس نصًّا. فقوله صلى الله عليه وسلم: (والثيب أحق بنفسها من وليها) يحتمل عدة معانٍ: 
الأول: أن المراد أحق بنفسها، بمعنى أنها يجب أن تنطق، وتفصح صريحا، عن رفضها أو قبولها للزوج، فلا يكتفى بسكوتها، كما هو الحال في البكر.
الثاني: أن لها الحق في تزويج نفسها، وأن لوليها الحق أيضا، فتكون :"أحق" على بابها للمفاضلة، وأن كليهما (المرأة والولي) لهما الحق في العقد.
الثالث:أنها أحق بنكاح نفسها، وأنه ليس لوليها أيُّ أحقية في نكاحها، وهذا على تقدير أن "أحق" ليست من باب المفاضلة، إنما من باب إثبات الحق المطلق في جهة دون أخرى، وهو مسموع في كلام العرب، فلا يكون للولي أي حق في تزويجها أصلا، وهذا أشد الوجوه. 
وعليه، فالحديث ظني الدلالة في المراد بالأحقية، هل هي أحقية المرأة في الإذن والموافقة، أم العقد، أم فيهما جميعا، أم هي مستقلة به دون وليها؟فحَمْلُهُ، -والحال كذلك- على أحقية عقد الثيب لنفسها متعذِّرٌ لوجوه، منها: 
- أن هذا الوجه ليس له ما يميزه على غيره، فهو مُحتَمَلٌ، دون ما يرجحه.
- أن حمله عليه مُخالِفٌ ومتعارضٌ مع الأصول السابقة، والتي جعلت خطابَ النكاح للأولياء دون النساء، وأن العضل بيد الولي، فينهى عنه، وجعلت الوليَّ شرطًا في كل نكاح، وشرطًا في نكاح كل امرأة، ثيبًا كانت أم بكرًا.
أما حَمْلُ الحديثِ على أحقِّيَّة الثيب في الإذن والموافقة، وأنها أحق بأن تنطق، وتفصح عن رأيها في الزوج، فهذا هو الأقرب؛ إذ لا مخالفة في ذلك لأصول الباب، ولأنه الأقرب إلى المراد، حيث بيَّن الحديثُ أن البكر لقلة خبرتها، وعدم تكشفها على الرجال من قبل، ففيها من الحرج والكسوف والخجل، ما يمنعها من النطق، فيُكتفى بسكوتها، ويتولى الوليُّ مباشرةَ العقد بمجرد ما يشعر بقبولها. 
أما الثيب، فلا يكتفى فيها بذلك، فعندها من الخبرة والجرأة ما يجعلها تنطق، وتبين رضاها بالخاطب من عدمه، وتقول: نعم أو لا، فهي أحق بأن تنطق، ولا يكتفى بسكوتها، كما هو الحال في البكر، فيصير المراد بالأحقية في الحديث أحقية النطق والتصريح، وليس العقد. 
وحَمْل الحديث على هذا المعنى أقرب للسياق، وأوفق لأصول الشرع، والتي تدعو إلى تولِّي الرجال نكاحَ موليتاهم، صيانةً وحفظًا لهن، بدلا من الرعونة، والتعرض بالقبول والرفض لرجل أجنبي، دون ولي!!
يقوِّي هذا بشكل صريح قولُهُ صلى الله عليه وسلم: (لا تُنكحُ الأيِّمُ حتَّى تُستأمَرَ، ولا تُنكحُ البِكرُ حتَّى تُستأذنَ)، والاستئمارُ هو طلَبُ أمرِها ومشورتِها في خاطبها المتقدم لها، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُنكَح) فيه: أن مَن يتولى نكاحَها غيرُها، وليس هي، فيَطْلب أمرَها ويشيرها، ثم يعقد لها، بعد إبداء رأيها.
ويؤيد ذلك أيضا أثرُ ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها" فوليُّ الثيب لا يقوى على أمرها، والاكتفاء بسكوتها، كما هو الحال مع البكر، والتي يملك وليُّها أن يتكلم عنها، وربما أَمَرَها، وشدَّد  لو رأى المصلحة في ذلك، لكن لا يجبرها على الصحيح من أقوال أهل العلم.فولي الثيب لا يقوى على أمرها بالنكاح، بل يشيرها، فغاية ما جرى التنبيه عليه هو ضرورة مشورة الثيب، وليس التعامل معها اكتفاء بظاهر حالها.
وبهذا يتضح أنه ليس في الحديث دلالة واضحة على ما ذهب إليه الحنفية، من عدم اشتراط الولي في نكاح الثيب، وأن أصول الباب مُطَّرِدة في اشتراط الولي لنكاح كل امرأة، ثيبًا أم بكرًا، دون معارِضٍ واضح صريح لذلك من الكتاب أو السنة.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 27/4/1442هـ
 
المادة السابقة
المادة التالية

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف