الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
اختلف الصحابة رضي الله عنهم في تلك المسألة، فذهب ابن عمر رضي الله عنهما إلى اشتراط التتابع في القضاء، وذهب ابن عباس رضي عنهما إلى عدم اشتراط التتابع.
والناظر في النص القرآني: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] يجد أن الله تعالى أطلق، ولم يشترط التتابع، بل قال: (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فيشمل ما إذا صام تلك الأيام متتابعة، أم متفرقة، فقد أتى بالواجب عليه من قضاءٍ في أيامٍ أخر، وهذا غاية ما أوجبه الله تعالى عليه، كما أن هذا ظاهر السنة أيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدًا بالتتابع في القضاء، ومعلوم أن زوجاته رضي الله عنهن يَحِضْنَ ويقضين، ولو كان التتابع شرطًا لبينه صلى الله عليه وسلم، وكذلك معه الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم من يفطر في السفر، سيما في شدة الحر، وهو منقول في الصحاح وغيرها، ولم يأمرهم بالتتابع في القضاء، فدل على أنه لا يشترط، وهو قول جمهور أهل العلم.
واشتراط التتابع في القضاء يمكن أن يُبنى على القاعدة المطَّرِدة في الشرع، وهي: "أن القضاء يَحْكي الأداءَ"، ومعلوم أن أداء رمضان صومٌ متتابعٌ، فكذلك قضاؤه يكون متتابعا، لكن لا يظهر حتى استحباب ذلك، لعدم الدليل على الاستحباب، مع إطلاق النص القرآني، وعدم توجيه النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه لهذا البتة.
والله الموفق.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 1/8/1443هـ