الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
ففي سياق عدم الفهم المستمر لأهل البدع، وقصور النظر، وضعف الحجة، قالوا:
تقولون: إن الاحتفال بالمولد النبوي، والإسراء والمعراج، ونحوهما بِدع!! فكذلك الكمبيوتر والموبايل والطائرة والسيارة بدع، فلم تستعملوها؟!
وقالوا: لم يُجمع القرآنُ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تُدوَّن وتكتب السنة النبوية الكريمة في عهده صلى الله عليه وسلم، إذن فهي على قاعدتكم بدع؟
والجواب، والله المستعان:
البدعة المذمومة، والتي وردت النصوص في تحريمها، وذمها، وبيان خطرها على الدِّين والشرع، والتي وقف السلفُ ضدَّها، وناضلوا في منعها، هي البدعة في سياق التعبد والتديُّن، فكل ما فعل في الدِّين على وجه العبادة، ولا أصل له من الشرع فهو البدعة المحرمة المذمومة.
أما الموبايل والطائرة وما شابه ذلك، فتلك من حيث اللغة العربية بدعة، لا من حيث الشرع؛ لذلك فهي ليست مذمومة، بل يجب على المسلم المسارعة في اختراعها وإيجادها، وليس مجرد الاستفادة منها، واستعمالها.
فهذا هو دور المسلم فيها.
أما جمع المصحف، وكتابة وتدوين وحفظ السنة، فتلك مصالح شرعية عظيمة، يراد بها حفظ الكتاب العزيز من الضياع، ومن أن تناله أيدي الناس بالتغيير والتبديل، خاصة بعد أن كثر الأعاجم بين العرب، ونطق القرآن على غير ما أُنزل، وخشي عليه التغيير والتحريف، فتحتمت المصلحة في جمعه وحفظه، فرأى الصحابة رضي الله عنهم صيانةً لكتاب الله تعالى، أن يجمع على مصحف واحد، وأن يتلف ما سواه.
وهذا أيضا ما حملهم على كتابة السنة وتدوينها، وإلا لضاعت الشريعة، وتبدد الدِّين، فكان من حكمة الله تعالى، وحفظه لكتابه العزيز، ولكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أن ألقى في قلوبهم تلك الفكرة، وأعانهم على تطبيقها.
فأين تلك المصالح العظيمة، التي حفظ بها الدِّينُ من احتفال بدعي، لا يراد به ابتداء إلا مشابهة النصارى في الاحتفال بمولد المسيح عليه السلام، ثم كانت نشأته على يد الفاطميين الروافض أعداء الدين؟!
وأي مصلحة تضيع لو لم يحتفل الناس بالمولد النبوي؟!
وما الذي جناه الناس على مر السنين بعد احتفالهم هذا الاحتفال البدعي؟!
وهل وجد أحد ممن يحتفلون بالمولد النبوي تعلم فيها السنة والهدي؟! والله لم يخرجوا من ذلك الاحتفال إلا بمحدثات الأمور، بل أكثر هؤلاء لا يعلمون من هديه وسنته شيئا، وإلى الله المشتكى.
فإن قيل: المراد حفظ سيرته ونقلها بين المسلمين ذلك اليوم من العام!
فالجواب: هذا متحقق في كتب السنة التي حفظت ودونت، ثم المسلم الصادق هو الذي يحفظ سنته صلى الله عليه وسلم وسيرته وشريعته بالعمل بها كل يوم، وليس هذا اليوم في العام، بل من احتفل به يوما في العام حقيقةً هو من نسيه صلى الله عليه وسلم، أما المداوِمُ على سنته، القائم بها ليل نهار فهذا لم ينسَهُ، عليه الصلاة والسلام، وليس به حاجة ليومٍ في السَّنة يتذكره فيه!
فتبين بذلك خلو هذا الاحتفال من أي مصلحة شرعية، ناهيك عن كونه ليس من فعل السلف الصالح، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم التابعين وتابعيهم وغيرهم من أئمة الإسلام كلهم، والخير كل الخير في اتباعهم.
والله المستعان
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 14/3/1444هـ