أثر عن الإمام مالك أنه كان يمشي حافياً في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة احترامه وتعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم فهل خالف الإمام مالك السنة بهذا الفعل ولم يسبقه إلى ذلك أحد من الصحابة؟!
كما استدل بذلك أهل البدع على جواز تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه كلما تأملت أدلة المبتدعة، وجدتها في الجملة منشؤها الجهل، والفهم الضعيف القاصر، وكأني بكلام أهل العلم أنه مع فساد العقيدة، ومخالفة الحق فيها تُمحق بركةُ الفهم الصحيح من العقول! فلا يكاد كبيرهم فهم أبسط المسائل!
وهذا مشاهَدٌ واضح بيانا عيانا لكل من حدَّثهم أو ناظرهم، فهم من أشد ما يكون قصورا وضعفا في النظر والدليل، والله المستعان، والجواب:
فإن ما كان يصنعه الإمام مالك رحمه الله تعالى من المشي حافيا في طرقات المدينة، تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم! فهذا لو صح عنه، فإنه من حيث النظر يخالف ما كان عليه جماهير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، الذين كانوا في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء في حياته أم بعد مماته، وكذلك الذين كانوا في مكة، فلم ينقل عن أحد منهم هذا الصنيع، فهذا الفعل من حيث هو إلى البدعة أقرب، لكن لما كان فاعله ذلك الإمام السني العظيم، وهو الإمام مالك رحمه الله تعالى، ولما نعلمه من تعظيم للسنة، واتباع لآثار النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز الحكم بذلك، ويكون الاعتذار عن فعله هذا هو ما غلبه من محبةٍ شديدةٍ للنبي صلى الله عليه وسلم حتى أبت نفسه أن يطأ الأرض التي مشي عليه النبي صلى الله عليه وسلم بنعاله!
وهذا لا يتجاوز أن يكون عذرًا لا غير، فضلا عن أن يكون حجةً لأحد للاستدلال به، فلو أن شخصا سألنا الآن وقال: هل أخلع نعالي في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأنكرنا عليه ذلك، ولمُنع، ولقيل له: هذا من البدع، ولا حجة في فعل الإمام مالك رحمه الله تعالى رحمة واسعة، بل هو فعلٌ يبحث عن عذر له.
ونظير هذا ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهما من كونه يتتبع موضع بَوْل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خالف بذلك جمهور أصحابه رضي الله عنهم، فمعلوم أن مثل هذا لا يُتابع عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك اعتذر له شيخ الإسلام وغيره بقولهم: "فلعله من غلبة حب النبي صلى الله عليه وسلم على قلبه رضي الله عنه، فعل ذلك".
فمثل هذه الأفعال نحتاج إلى أعذار عليها، فضلا عن أن تكون حجة أو دليلا!! فعجبا لهؤلاء القوم.
وإن تعجب فالعجب في استدلالهم على مشروعية الاحتفال بالمولد برؤيا رآها العباس رضي الله عنه في أبي لهب، وهو أنه يخفف عنه العذاب كل اثنين في النار، بسبب إعتاقه ثويبةَ، لما أخبرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يوم الاثنين!!
فصار فعل أبي لهب حجةً ودليلًا للقوم! وليته ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مجرد رؤيا منامية، تثبت أو لا تثبت.
فهؤلاء هم القوم، وتلك حججهم وأدلتهم، وتلك عقولهم وأفهامهم، والله المستعان.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 13/3/1444هـ