قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم". اقتضاء الصراط المستقيم
فما الجواب على ذلك؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن شيخ الإسلام في هذا الكلام لا يقرر جواز الاحتفال البدعي بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه رحمه الله ذمَّ ذلك في غير موضع، وله في ذلك كتابات كثيرة جدا، يذم البدعة كلها، وعلى رأسها الاحتفال بالمولد النبوي، إنما يتكلم شيخ الإسلام في هذا الموضع، وفي غيره أيضا، عن جاهل لا يعرف النهي، أو لا يعرف كون هذا العمل يخالف أصول الإسلام، لكنه يعمله تعظيما وحبًّا لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، غير راكبٍ للنهي، عالمٍ به، فهذا يؤجر على عمله من ناحية ما قام في قلبه من حبٍّ وتعظيمٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على هذا العمل، فالأجر المذكور في كلام ابن تيمية رحمه الله، إنما هو على المتقرر في قلب ذلك العابد مع جهله، لا على نفس الاحتفال، فلينتبه!
وقد رأيتُ جماعة من النساء والرجال، العوام الجهال، وقد اقتربت الطائرة من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى مشارف المطار، فصاروا يزغردون ويصفقون ويغنون، بكلام ومديح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بكى بعضهم، فهذا العمل في ذاته محرم باطل، ومع ذلك لا يَبْعُد أن يؤجر هؤلاء على ما قام في قلوبهم، من حب وشوق وتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو مقصد ابن تيمية من هذا الكلام.
وقد قال رحمه الله كلاما قريبا من ذلك، فقال: ""قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحًا، ولا يكون عالمـًا أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده، ويُعفى عنه لعدم علمه، وهذا باب واسع، وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها، قد يفعلها بعض الناس، ويحل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة، بل لو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهي عنها، ثم الفاعل قد يكون متأولا، أو مخطئا مجتهدا أو مقلدا، فيغفر له خطؤه ويثاب على ما فعله من الخير المشروع المقرون بغير المشروع، كالمجتهد المخطئ". اقتضاء الصراط المستقيم.
أما كلامه على ذم المولد النبوي، فهو نص صريح، كما في قوله رحمه الله: "كذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع، من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص". اهـ.
ويكون كلام شيخ الإسلام من جنس فتوى الإمام أحمد، عن بعض الأمراء: "إنه أنفق على مصحفٍ ألفَ دينار، أو نحو ذلك؟" فقال أحمد رحمه الله: "دَعْهم، فهذا أفضل ما أنفقوا فيه الذهب"، مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة، لكن فتواه إما بالنظر لتعظيمهم كتاب الله تعالى، أو خشية أن تنفق تلك الأموال في طباعة كتب الشعر وغيره، مما لا طائل من ورائه.
والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 13/3/1444هـ