خزانة الفتاوى / عقيدة / وضْعُ الجريدِ على القبور، ليس من السُّنة، إنما من البدع

وضْعُ الجريدِ على القبور، ليس من السُّنة، إنما من البدع

تاريخ النشر : 14 ذو القعدة 1444 هـ - الموافق 03 يونيو 2023 م | المشاهدات : 381
مشاركة هذه المادة ×
"وضْعُ الجريدِ على القبور، ليس من السُّنة، إنما من البدع"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 ففي الصحيحين عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا .
ففي هذا الحديث أطلع اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم على أمر من علم الغيب، ما عَلِم به أن بالقبر رجلين يعذبان، أحدهما لعدم استنزاهه من البول، والآخر يمشي بالنميمة بين الناس، ليفسد بينهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بشقِّ الجريدة، ووضعَ كلَّ نصفٍ منها على أحد القبرين؛ رجاء أن يخفف الله عنهما، حتى ييبسا.
وقد توهم جمع كبير من الناس، وللأسف بعض المنتسبين إلى العلم أن هذا مشروع في كل ميت، وهو خطأ كبير للآتي:
أولا: هذا الفعل لا يحصل الاقتداء فيه، إلا بأن يعلم الشخصُ الغيبَ أن صاحب هذا القبر يُعذَّب! وهذا لا يمكن أن يكون لأحد، ولا للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، إلا أن يطلعه الله تعالى مرة ثانية على نظيره، ولم يكن؛ وأما غيره صلى الله عليه وسلم؛ فلأن الوصول إليه لا يكون إلا بِوحْيٍ، وليس هذا لأحد بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أن في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم هذين القبرين فقط بهذا العمل دلالةً واضحةً على عدم عموم هذه السُّنة في كل ميت، إذ لو كانت سنة عامة، لصنعها النبي صلى الله عليه وسلم في كل القبور، ولأوصى بها المسلمين، على أن في الحديث -كما تقدم- ما يدل على خصوصية الحكم بشخصين مُعيَّنين يُعذَّبان في قبرهما، وليس كل من في القبور يعذب، بل منهم من هم أشد الناس نعيمًا وفرحًا وسرورًا!
ثالثا: في وضع الناس الجريدَ على القبور إساءةُ ظنٍّ بالميت، إذ إن وضع النبي صلى الله عليه وسلم للجريدة على القبرين كان بعدما عَلِم أنهما يعذبان، ولا يمكن لنا معرفة ذلك البتة، ففيه ادعاءٌ لعلم الغيب، ورجْمٌ به، وفيه إساءةُ ظنٍّ بالميت أنه يُعذَّب، ونحن لا نعلم حاله!
رابعا: أن الصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم الناس بالسنة، ومواضع الاقتداء، وأهم أشد الناس اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنهم أنهم صنعوا هذا، مما يدل على أن هذا العمل ليس محلا للاتباع والاقتداء، لكونه من مواضع الغيب، التي لم تكشف إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن الاقتداء به في ذلك.
خامسا: يجب الانتباه إلى أن النص خاصٌّ جدا، وعُلِّل بعلة غيبية، وهي أنهما يُعذبان، وليس في النص ما يفيد عموم الحكم، لا قولًا، ولا فعلًا، ولم ينقل تكرُّرُه في قبور أخرى من فعله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على اقتصاره على ما ورد، فلا يتأتَّى والحال كذلك توسيع دائرة النص، والتجاوز به مثل ما يصنع هؤلاء.
فالصحيح أنه لا يشرع وضع الجريد على أي قبر من قبور المسلمين، وأن هذا الصنيع من قبيل البدع، على ما فيه من ادعاء علم الغيب، وإساءة الظن بالموتى.
والله المستعان 
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 13/11/1444هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف