سؤال: نظرا لأن بعض الجزارين يزيد في وزن الذبائح (الأضاحى وغيرها) بالماء ونحوه، فحينما نشتريها، تكون بزيادة كيلوات، لا وجود لها حقيقة، وحتى نتخلص من هذا الغش نقوم بدفع جزء من الثمن، كعربون، أو لحجز هذا العجل مثلا، ثم نقوم بالوزن بعد الذبح، وإتمام عملية الشراء، ونتفق على أن الكيلو بكذا، فما حكم هذا العمل؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
أما ما يتعلق بالأضحية، فإن هذه العملية قد يبدو للناظر فيها أن المشكل هو الغرر الحاصل، بعدم العِلْم بالمبيع، العلمَ البيِّنَ الذي ينفي الجهالةَ عن المبيع عند العقد، وهذا في الحقيقة إشكال، لكنه يزول بأن هذه الصورة -ولو كانت خفيةً أولَ العقد- لكنها عند الذبح مآلها إلى العلم، فلا يضر، وقد نص الفقهاء على جواز مثل هذه الصورة، في قول بعضهم: "وإن باع ثوبا أو صبرة أو قطيعا، كل ذراع أو قفيز أو شاة بدرهم صح" ووجه الصحة أن مآله إلى العلم.
فهذه النقطة أرجو إلا إشكال فيها.
علما أن كثيرًا من أهل العلم يمنع بيع الحيوان حيًّا قائمًا، بالوزن؛ لما فيه من غررٍ كبيرٍ في الوزن، إذ يدخل في اللحم ما ليس من اللحم، إنما يجوِّزون بيعه جُزافا، أي: بالواحدة أو الواحد، ويَقُوم أهل الخبرة بتقويمه.
أما الإشكال الأعظم في الصورة الواقع السؤال عنها، هو: أن من أراد الأضحية، على هذه الصورة، فإن شراءه لهذا العجل أو هذا الخروف مثلا لم يتم حتى الذبح، فعند الذبح لم يكن في ملك الشاري، ولا ذُبحت عنه، إنما كانت ملكَ البائع ( الجزار ونحوه) وعليه فهي لا تجزيء كأضحية عن المشتري؛ لأنه لم يكن مالكًا لها عند الذبح، إذ هي باقية على ملك البائع!
ولهذا فمن أراد أضحية على هذه الصورة لم تصح أضحيةً، ولا تجزئه عنها، إنما تصحُّ لحمًا، يأكل منه، ويتصدق ويهب ويهدي، فعلى من أراد الأضحية أن يفعل واحدا من تلك الأمور:
الأول: أن يُنفِذ البيع كله عند الشراء، ثم لو تركها تُعلف عن الجزار ونحوه، حتى الذبح، فلا بأس، ولا بأس أيضا لو تأخر بعض الثمن في ذمته، فالعبرة بإتمام صفقة البيع على وجه الكمال، حتى يتم الذبح على اسم المشتري، وليس على اسم التاجر.
الثاني: أن يبحث عن تاجر أمين؛ تلافِيًا لهذا الأمر الذي ذكره، وهو كون البعض يغش في الميزان، وهم كثير بإذن الله تعالى.
الثالث: أن يشتري الذبيحة جُزافًا، بالواحدة، وهذا كثيرٌ في سوق الغنم ونحوه، وهذا أحوط وأبعد عن التهمة، فيصح البيعُ بكل حالٍ، ويسلم بذلك من كل شبهة.
أما من أراد بهذا التصرف فقط اللحم، فأرجو ألا بأس عليه، فعلى تقدير وجود بعض الغرر عند بداية العقد، فإن مآله إلى العلم عند انتهائه، ولا يضره أن ذبحت على اسمه هو، أو اسم التاجر.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في السادس من ذي الحجة، لعام أربعة وأربعين وأربعمائة وألف، من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.