معنى حديث ( إن الله تجاوز عن
أمتي ما حدثت به أنفسها.. )
ما المقصود بهذا الحديث : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ
عَن أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله
عنه، وقد جاء تخفيفا لحكم الله تعالى في كتابه العزيز، قال تعالى: { لله ما فِي السَّمَاواتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم
بِهِ اللّهُ ..الآية [(284) سورة البقرة]، فاشتد ذلك على الصحابة رضي الله عنهم، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين: سمعنا وعصينا؟!
قولوا : سمعنا وأطعنا، فقالوا : سمعنا وأطعنا، فأنزل الله قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ثم أنزل بعدها: { لاَ يُكَلِّفُ
اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } فنسخت قولَه : {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ}، وعفا الله تعالى ما وقع في النفوس،
وكان هذا الحديث مؤكِّدا لهذا الحكم.
وقد أفاد الحديث أن حديث النفس لا يؤاخذ عليه العبد
بشرطين: ألا يتكلم بما في نفسه، وألا يعمل شيئا، فما كان عارضا أو شيئا قهره، وليس
له طائل في رده، فلا يؤاخذ عليه، ويغفره الله له.
قال العز بن عبد السلام: "ولا عقاب على الخواطر، ولا
على حديث النفس لغلبتها على الناس " اهـ.
وقال النووي : "الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر
عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى
الانفكاك عنه".
وهذا
الحديث يدخل في كثير من أبواب الفقه، ومنها:
- لو حدَّث
نفسَه بإبطال صلاته دون عزم لم تبطل، وكذا الصوم، أما لو عزم بقلبه على إفساد
الصلاة أو الصوم فسدا.
وقد نُقل
عن العز بن عبد السلام أنه قال: "الذي في النفس على قسمين: وسوسة، وعزائم. فالوسوسة
هي حديث النفس وهو المتجاوز عنه فقط، وأما العزائم فكلها مكلف بها" اهـ.
- لو طلق امرأته في نفسه، لم يقع طلاقه حتى ينطق، وهو قول الجمهور،
حتى لو عزم؛ لأنه موكول إلى التلفظ به.
- لو أقسم
يمينا في نفسه، لم يلزمه موجبه، وكذا لو نذر
في نفسه، حتى لو عزم؛ لأنه موكول إلى التلفظ به.
- لو حدث
نفسه بهدية أو هبة ، لم تلزم إلا بالقول، مع القبض على الصحيح.
- لو اغتاب
شخصا في نفسه ، لم يلزمه شيء.
على
أنه يحسن بالمسلم ألا يسترسل في التفكير؛ لأن
الاسترسال ذريعة للوقوع فيما يفكر فيه، قال صاحب السبل: " الِاسْتِرْسَالُ مَعَ النَّفْسِ فِي بَاطِلِ أَحَادِيثِهَا
يُصَيِّرُ الْعَبْدَ عَازِمًا عَلَى الْفِعْلِ، فَيُخَافُ مِنْهُ الْوُقُوعُ فِيمَا
يَحْرُمُ، فَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسَارِعَ بِقَطْعِهِ إذَا خَطَرَ".
فعلى المسلم أن
يسارع بالانتهاء عما جال في خاطره، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، والاستعاذة
طبُّ هذه المشكلة:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
والله الموفق
كتبه:
د.محمد بن موسى الدالي
في 23/4/1430هـ