المواد / المقالات / حكم الانتقال اليومي إلى بلد في جعله وطنا آخر

حكم الانتقال اليومي إلى بلد في جعله وطنا آخر

تاريخ النشر : 22 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1099
مشاركة هذه المادة ×
"حكم الانتقال اليومي إلى بلد في جعله وطنا آخر"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

حكم الانتقال اليومي إلى بلد في جعله وطنا آخر

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فكثيرا ما يكون عمل الشخص في بلد آخر غير وطنه الأصلي، أو يكون له أكثر من جهة عمل، وتكون الجهة الأخرى في بلد آخر، وفي كثير من الأحيان تتعذر الإقامة التامة في البلد الآخر، وكثير من الناس تتطلب طبيعة عمله أن ينتقل بين بلدين أو أكثر، أحد هذه البلدان وطنه الأصلي والبقية ليست وطنا له، كسائقى القطارات والطيارين والبحارين ونحوهم، ويتكرر هذا الانتقال يوميا، فهل هذا الانتقال اليومي يعتبر سببا في جعل هذا البـلد الآخر وطنا أصليا آخر للشـخص نفسه، وتتـرتب عليه آثار ذلك، أم لا؟

هذه المسألة مبنية على مسألة تعدد الوطن، والناظر في الآثار، وفي كلام الفقهاء يجد أنهم يقررون أن الوطن الثاني يصير وطنا بأن يتأهَّل فيه، مع بقاء أهله فيه، دون اعتبار بقاء العقار، أو يكون له فيه مال وتجارة، كما هو المشهور من مذهب الحنابلة.

والأظهر في بيان حكم هذه المسألة أن السفر والتردد بين البلدان قد يكون مؤقتا، وقد يكون دائما، والسفر الدائم يراد به أمران:

أولهما: أن يكون معه أهله وكل ما يحتاجه.

ثانيهما: ألا يكون معه أهله ولكنه كثير الأسفار، أو مهنته السفر كسائقي القطارات والطيارين والبحارين.

وهذا القسم هو المراد بهذه المسألة، ومعلوم أن البلد الذي ينتقل إليه إقامتُه فيه ليست دائمة، بل مؤقتة، والسفر والإقامة المؤقتة لا يلزم منهما اعتبار البلد الذي يسافر إليه وطنا آخر له؛ وذلك للآتي:

أولا: عدم وجود نية الإقامة الدائمة وعدم الارتحال من البلد الثاني، بل هو يعلم أن تواجده فيه مؤقت، ينتهي بمجرد انتهاء عمله هناك، سواء كان وظيفة أم كان سائقا يُحمِّل ركابا، أم غيره، ومعلوم أن من شرط اعتبار المكان وطنًا نية عدم الارتحال والإقامة الدائمة، وهذا منتفٍ هنا.

ثانيا: لم يتوفر في هذا البلد الآخر الأمور التي تجعله وطنا آخر، كأن يكون له فيه أهل، أو يكون له فيه مال أو تجارة.

جاء في فتاوى الأزهر: "أما الذى يسافر كثيرا بحكم عمله، وليس معه أهله فله قصر الصلاة والفطر"([1]).

وهذا صريح في أنه مسافر، وليس مستوطنا.

ولما سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل ينطبق حكم المسافر على سائقي السيارات والحافلات لعملهم المتواصل في نهار رمضان؟

أجاب بقوله: نعم ينطبق حكم السفر عليهم، فلهم القصر والجمع والفطر([2]).

فكلام الفقهاء واضح في الدلالة على أنهم لا يُعتبرون مواطنين في البلدان التي يترددون بينها، وعليه فلا يعتبر البلد الذي يحصل التردد إليه يوميا وطنًا آخر، بل يكون فيه في حكم المسافر، تنطبق عليه كافة أحكام السفر، وهذا مشروط بما إذا توفر في المكان المنتَقل إليه شروط السفر، سواء عند من اعتبره بالمسافة كما هو مذهب الجمهور، أو بالعرف كما هو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما.

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 6/4/432هـ


([1])  فتاوى الشيخ جاد الحق 5/ 53، وانظر: فتاوى الأزهر 8/488.

([2])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 15/224، وانظر: مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز 12 / 215.

 

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف