المواد / المقالات / رقصُ الرِّجالِ

رقصُ الرِّجالِ

تاريخ النشر : 22 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 985
مشاركة هذه المادة ×
"رقصُ الرِّجالِ "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

رقصُ الرِّجالِ 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فالحديث في هذا لا يتناول أنواع الرقص المُحرَّم، سواء المشتمل على العري والانحلال، أو كان رقصا دينيا يقصد به التقرب والعبادة لله، كالرقص عند المتصوفة، أو الرقص الدِّيني الوثني الذي يقصد به التعبد لغير الله، كالرقص الفرعوني القديم، ونحوه، فهذا ليس محل البحث، وتحريمه متقرر عندي بما لا يدعو لبحثه، إنما البحث في الرقص الدنيوي المجرَّد  من المفاسد الشرعية، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الإباحة، إما مطلقا، كما هو قول لبعض الشافعية([1])، بشرط ألا يكثر منه، فيكون خارمـا للمروءة، وألا يكون بتكسُّرٍ وتثنٍّ عند السـرور كأيـام الأعيـاد ونحوها([2])، أو التفريق بين العوام وذوي المناصب، فيباح للعوام، ويكره لذوي المناصب([3]).

واستدلوا بالآتي:

أولا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبيeوإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خَدِّه، وهو: "يقـول دونكم يا بني أرفِدة"، حتَّى إذا مللت قال: حسـبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي([4]) .

وفي لفظ: "وجعلت أنظر فقال رسول اللهe: "خذن بنات أرفدة"، فما زلت وهم يلعبون ويزفنون حتَّى كنت أنا التي انتهيت"([5])، والزفن الرقص([6]) .

وفي لفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا الحبشة يلعبون عند رسول اللهe بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال له رسول اللهe: "دعهم يا عمر"([7]).

وجه الاستدلال: أن الحديث فيه دلالة على إباحة الرقص حيث إن النبي أقرهم على رقصهم بحرابهم ودروقهم، وأنكر على عمر إنكاره عليهم، حتَّى قال: دونكم بني أرفدة، بل دَعَى عائشة رضي الله عنها إلى النظر إلى زفنهم ولعبهم([8])

المناقشة: وقد نوقش هذا بأن ما فعله الحبشة لم يكن رقصًا، وإنما هو لعب بالسلاح وتأهب للكفاح، وتدريب على استعمال السلاح في الحرب، وعلى الكرِّ والفرِّ والضرب، وهذه مقاصد مطلوبة شرعا، فليست من الرقص في شيء([9]).

الجواب: أجيب عن هذا بأن رقص الحبشة إنما كان لعبا ولهوا، بدليل قول النبيr لعمرy: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة"([10])، وأيضا فإن عمر رضي الله عنه لو كان يرى ذلك تدريبا على الحرب والكرِّ والفرِّ لم يكن ليحاول حصبهم بالحصباء، سيما أنه كان في المسجد، والمساجد تصان عن اللهو واللعب([11])، مما يدلُّ على أن هذا الأمرلم يقع منهم على وجـه

الديانة، إنما من باب اللهو واللعب والمباح الذي أقرته الشريعة .

ثانيا: ما روي أن عليًّا، وجعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة رضي الله عنهم اختصموا في أمامة بنت حمزة وفيه: عن علي رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله e أنا وجعفر وزيد فقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" فَحَجَل وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" فحجل وراء حجل زيد، ثم قال لي: "أنت مني وأنا منك" فحجلت وراء حجل جعفر([12]) .

وجه الدلالة: أنهم حجلوا بين يدي رسول اللهrوالحجل: رفع إحدي الرجلين والقفز على الأخرى، وقيل: مشي المُقَيَّد([13])، ولم ينكره عليهم الرسولrمما يدلُّ على جواز مثل هذه الحركات.

المناقشة: نوقش هذا بالآتي:

أولا: أن الحديث الذي فيه ذكر الحجل ضعيف، وفي إسناده مقال([14]) .

الجواب: أجيب عن هذا بأن الحديث حسنه بعض أهل العلم.

ثانيا: أنه على تقدير صحة الحديث فإن الحجل ليس من الرقص، إنما هو مَشْيٌ يفعل عند السرور والفرح([15]).

الجواب: أجيب أن هذا الفعل من الصَّحابة رضي الله عنهم إنما هو من جملة الرقص؛ وذلك أنه حركات مخصوصة على ترتيب مخصوص، وهذا هو حد الرقص([16]) .

ثالثا: أن الأصل الإباحة، ولم يأتِ من الشرع ما يدلُّ على تحريم الرقص، فيبقى على الأصل، كما أن الرقص مجرَّد حركات على استقامة واعوجاج([17])، فهو من اللهو واللعب الذي يبيحه الشرع ما لم يتضمن مُحرَّما من معازف ونحوه.

 القول الثاني: التحريم، وهو مذهب الحنفية([18])وبعض الشافعية([19]) .

القول الثالث: الكراهة، وهو مذهب الشافعية([20])والحنابلة([21]).

واستدل أصحاب هذين القولين بالآتي:-

أولا: قوله تعالى:]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا[[لقمان-18]والرَّقص أشد المرح والبطر([22])، وقد استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص على اختلافٍ بينهما في توجيه النهي، إما للتحريم أو للكراهة .

ومن جنس الاستدلال بهذه الآية الآتي:

1-قوله تعالى: ]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ[[لقمان ? 18].

ووجه الاستدلال: أن الآية الكريمة أمرت بالقصـد في المشي، وهو التواضع فيـه 

وعـدم الاستكبار والاستعجال، والرَّقص مخالف لتلك المعاني؛ حيث إن الرَّاقص يمشي مسـتكبرا ومختالا .

  2-قوله تعالى: ]وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[(الفرقان-6)والرَّاقص لا يوصف مشيه بالسكينة والوقار، إنما بالتجبر والمرح والأشر والبطر .

المناقشة:

نوقش الاستدلال بهذه الآيات بأن الأعمال بالنِّيَّات، فلا يمكن أن يُسوَّى بين من يمشي مشيًا معيَّنًا أو يتحرك حركات معينة وليس قصده الأشر والبطر، وبين آخر يمشي على نفس النحو قاصدا الأشر والبطر والاختيال، فلا شك أن من قصد الأشر والبطر تتناوله النصوص، ويحرم عليه ذلك، أما من لم يقصد ذلك فلا يحرم عليه، والغالب على الراقص عدم قصد الخيلاء أو الأشر أو البطر، وإنما هو حركات تدل على انبساط النفس والسرور، وهذا الشعور في حد ذاته لم تأتِ الشريعة بتحريمه، بل هي داعية إلى كل ما يفرح النفس ويسرها، فليس الرقص بالسيف ونحوه من الاختيال والأشر والبطر في شيء، فلا يكون في الآيات ما يدلُّ على التحريم إلا إذا قصد بأفعاله الأشر والبطر وعدم القصـد، فهذا يحرم عليه لقصده لا لفعله([23]).

ثالثا: قول النبيr: "كل لهو لها به المؤمن باطل إلا رميه عن قوسه وأدبه فرسه وملاعبته أهله"([24]) .

وجه الاستدلال: أن الرقص لم يكن مما استثني في الحديث فكان من جملة الباطل([25]).

المناقشة: يناقش هذا بأن كلمة: "باطل"لا تدل على التحريم، إنما على عدم الفائدة، وَكَمْ من شيءٍ قليـلِ الفائدة أو معدومِ الفائدة، ومع ذلك فهو مبـاح ما لم يرد نص بتحريمه([26]).

أو  أن المراد بـ"باطل"إذا شغله عن طاعة الله، وهو ما ترجم به البخاري فقال: باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله([27]).

رابعا: أن الرقص لم يفعله الأنبياء ولا الصالحون من السلف والخلف، وإنما اعتاد فعله السفهاء وجهلة الناس، فهو من جملة القبائح لإخلاله بالمروءة، كما أنه من خصائص النساء، وقد نهينا عن التشبه بالنساء([28]) .

المناقشة: يناقش هذا بالآتي:

أولا: أن عدم فعل الأنبياء أو الصالحين ليس دليلا على حرمته، فإنهم كانوا يتورعون من كثير من الأمور المباحة، فهو من العادات، وليس من العبادات حتَّى يفتقر إلى دليل شرعي لإثبات مشروعيته .

ثانيا: أن كونه من خصائص النساء لا يسلم؛ إذ منه ما هو من خصائص النساء، ومنه ما هو خاص بالرجال، فالممنوع التشبه بالنساء في تكسرهم وتميعهم، أما ما سوى ذلك فالأصل فيه الإباحة.

التَّرجيح:

أولا: يتبين مما سبق أن الرقص الذي يقترن بمُحرَّم، أو كان على وجه مُحرَّم، أو كان القصد منه مُحرَّما -وهذه الثلاثة هي غالب أنواع الرقص الموجود والذي عمَّت به البلوى- أن هذا النوع من الرقص مُحرَّم باتفاق العقلاء، ولا ينازع في هذا إلا قليلُ الدِّين والعقلِ؛ حيث اشتمل على المنكرات والمفاسد العظيمة، والتي لا تخفى على أحد.

ثانيا: ما سوى ذلك، فإذا كان في المواضع التي جاءت الشريعة بإقرارها، وهو ما كان لإظهار السرور والفرح وإظهار الشجاعة ونحوه، فإنه مباح للآتي:

أولا: إقرار النبيr للعب الحبشة، ولعبهم هو عين ما نحن فيه، حيث كان لعبا بحركات مخصوصة وترتيب خاص، مع حملهم الحراب والدرق، فهذا دالٌّ على جواز مثل هذا النوع من الحركات، وهي فيما اصطلحنا عليه رقص؛ ولعل جـوازه لما فيه من إظهار الشجاعة والكر والفر والإقدام، وهذه مقاصد شرعية مطلوبة، سواء كان ذلك على وجه الجد، أو على وجه اللعب والهزل، مع ما في ذلك من فسـحة للنفس، وهو مطلب شرعي .

نقل في الفروع عن الخطابي قوله: وإنما استثنى رسول اللهrهذه الخلال من جملة ما حرم منها؛ لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه، ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسِّلاح والشدِّ على الأقدام ونحوهما مما يرتاض به الإنسان فيقوى بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو([29])

رقصُ الرِّجالِ 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فالحديث في هذا لا يتناول أنواع الرقص المُحرَّم، سواء المشتمل على العري والانحلال، أو كان رقصا دينيا يقصد به التقرب والعبادة لله، كالرقص عند المتصوفة، أو الرقص الدِّيني الوثني الذي يقصد به التعبد لغير الله، كالرقص الفرعوني القديم، ونحوه، فهذا ليس محل البحث، وتحريمه متقرر عندي بما لا يدعو لبحثه، إنما البحث في الرقص الدنيوي المجرَّد  من المفاسد الشرعية، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الإباحة، إما مطلقا، كما هو قول لبعض الشافعية([1])، بشرط ألا يكثر منه، فيكون خارمـا للمروءة، وألا يكون بتكسُّرٍ وتثنٍّ عند السـرور كأيـام الأعيـاد ونحوها([2])، أو التفريق بين العوام وذوي المناصب، فيباح للعوام، ويكره لذوي المناصب([3]).

واستدلوا بالآتي:

أولا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبيeوإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خَدِّه، وهو: "يقـول دونكم يا بني أرفِدة"، حتَّى إذا مللت قال: حسـبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي([4]) .

وفي لفظ: "وجعلت أنظر فقال رسول اللهe: "خذن بنات أرفدة"، فما زلت وهم يلعبون ويزفنون حتَّى كنت أنا التي انتهيت"([5])، والزفن الرقص([6]) .

وفي لفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا الحبشة يلعبون عند رسول اللهe بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال له رسول اللهe: "دعهم يا عمر"([7]).

وجه الاستدلال: أن الحديث فيه دلالة على إباحة الرقص حيث إن النبي أقرهم على رقصهم بحرابهم ودروقهم، وأنكر على عمر إنكاره عليهم، حتَّى قال: دونكم بني أرفدة، بل دَعَى عائشة رضي الله عنها إلى النظر إلى زفنهم ولعبهم([8])

المناقشة: وقد نوقش هذا بأن ما فعله الحبشة لم يكن رقصًا، وإنما هو لعب بالسلاح وتأهب للكفاح، وتدريب على استعمال السلاح في الحرب، وعلى الكرِّ والفرِّ والضرب، وهذه مقاصد مطلوبة شرعا، فليست من الرقص في شيء([9]).

الجواب: أجيب عن هذا بأن رقص الحبشة إنما كان لعبا ولهوا، بدليل قول النبيr لعمرy: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة"([10])، وأيضا فإن عمر رضي الله عنه لو كان يرى ذلك تدريبا على الحرب والكرِّ والفرِّ لم يكن ليحاول حصبهم بالحصباء، سيما أنه كان في المسجد، والمساجد تصان عن اللهو واللعب([11])، مما يدلُّ على أن هذا الأمرلم يقع منهم على وجـه

الديانة، إنما من باب اللهو واللعب والمباح الذي أقرته الشريعة .

ثانيا: ما روي أن عليًّا، وجعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة رضي الله عنهم اختصموا في أمامة بنت حمزة وفيه: عن علي رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله e أنا وجعفر وزيد فقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا" فَحَجَل وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخلقي" فحجل وراء حجل زيد، ثم قال لي: "أنت مني وأنا منك" فحجلت وراء حجل جعفر([12]) .

وجه الدلالة: أنهم حجلوا بين يدي رسول اللهrوالحجل: رفع إحدي الرجلين والقفز على الأخرى، وقيل: مشي المُقَيَّد([13])، ولم ينكره عليهم الرسولrمما يدلُّ على جواز مثل هذه الحركات.

المناقشة: نوقش هذا بالآتي:

أولا: أن الحديث الذي فيه ذكر الحجل ضعيف، وفي إسناده مقال([14]) .

الجواب: أجيب عن هذا بأن الحديث حسنه بعض أهل العلم.

ثانيا: أنه على تقدير صحة الحديث فإن الحجل ليس من الرقص، إنما هو مَشْيٌ يفعل عند السرور والفرح([15]).

الجواب: أجيب أن هذا الفعل من الصَّحابة رضي الله عنهم إنما هو من جملة الرقص؛ وذلك أنه حركات مخصوصة على ترتيب مخصوص، وهذا هو حد الرقص([16]) .

ثالثا: أن الأصل الإباحة، ولم يأتِ من الشرع ما يدلُّ على تحريم الرقص، فيبقى على الأصل، كما أن الرقص مجرَّد حركات على استقامة واعوجاج([17])، فهو من اللهو واللعب الذي يبيحه الشرع ما لم يتضمن مُحرَّما من معازف ونحوه.

 القول الثاني: التحريم، وهو مذهب الحنفية([18])وبعض الشافعية([19]) .

القول الثالث: الكراهة، وهو مذهب الشافعية([20])والحنابلة([21]).

واستدل أصحاب هذين القولين بالآتي:-

أولا: قوله تعالى:]وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا[[لقمان-18]والرَّقص أشد المرح والبطر([22])، وقد استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص على اختلافٍ بينهما في توجيه النهي، إما للتحريم أو للكراهة .

ومن جنس الاستدلال بهذه الآية الآتي:

1-قوله تعالى: ]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ[[لقمان ? 18].

ووجه الاستدلال: أن الآية الكريمة أمرت بالقصـد في المشي، وهو التواضع فيـه 

وعـدم الاستكبار والاستعجال، والرَّقص مخالف لتلك المعاني؛ حيث إن الرَّاقص يمشي مسـتكبرا ومختالا .

  2-قوله تعالى: ]وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا[(الفرقان-6)والرَّاقص لا يوصف مشيه بالسكينة والوقار، إنما بالتجبر والمرح والأشر والبطر .

المناقشة:

نوقش الاستدلال بهذه الآيات بأن الأعمال بالنِّيَّات، فلا يمكن أن يُسوَّى بين من يمشي مشيًا معيَّنًا أو يتحرك حركات معينة وليس قصده الأشر والبطر، وبين آخر يمشي على نفس النحو قاصدا الأشر والبطر والاختيال، فلا شك أن من قصد الأشر والبطر تتناوله النصوص، ويحرم عليه ذلك، أما من لم يقصد ذلك فلا يحرم عليه، والغالب على الراقص عدم قصد الخيلاء أو الأشر أو البطر، وإنما هو حركات تدل على انبساط النفس والسرور، وهذا الشعور في حد ذاته لم تأتِ الشريعة بتحريمه، بل هي داعية إلى كل ما يفرح النفس ويسرها، فليس الرقص بالسيف ونحوه من الاختيال والأشر والبطر في شيء، فلا يكون في الآيات ما يدلُّ على التحريم إلا إذا قصد بأفعاله الأشر والبطر وعدم القصـد، فهذا يحرم عليه لقصده لا لفعله([23]).

ثالثا: قول النبيr: "كل لهو لها به المؤمن باطل إلا رميه عن قوسه وأدبه فرسه وملاعبته أهله"([24]) .

وجه الاستدلال: أن الرقص لم يكن مما استثني في الحديث فكان من جملة الباطل([25]).

المناقشة: يناقش هذا بأن كلمة: "باطل"لا تدل على التحريم، إنما على عدم الفائدة، وَكَمْ من شيءٍ قليـلِ الفائدة أو معدومِ الفائدة، ومع ذلك فهو مبـاح ما لم يرد نص بتحريمه([26]).

أو  أن المراد بـ"باطل"إذا شغله عن طاعة الله، وهو ما ترجم به البخاري فقال: باب كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله([27]).

رابعا: أن الرقص لم يفعله الأنبياء ولا الصالحون من السلف والخلف، وإنما اعتاد فعله السفهاء وجهلة الناس، فهو من جملة القبائح لإخلاله بالمروءة، كما أنه من خصائص النساء، وقد نهينا عن التشبه بالنساء([28]) .

المناقشة: يناقش هذا بالآتي:

أولا: أن عدم فعل الأنبياء أو الصالحين ليس دليلا على حرمته، فإنهم كانوا يتورعون من كثير من الأمور المباحة، فهو من العادات، وليس من العبادات حتَّى يفتقر إلى دليل شرعي لإثبات مشروعيته .

ثانيا: أن كونه من خصائص النساء لا يسلم؛ إذ منه ما هو من خصائص النساء، ومنه ما هو خاص بالرجال، فالممنوع التشبه بالنساء في تكسرهم وتميعهم، أما ما سوى ذلك فالأصل فيه الإباحة.

التَّرجيح:

أولا: يتبين مما سبق أن الرقص الذي يقترن بمُحرَّم، أو كان على وجه مُحرَّم، أو كان القصد منه مُحرَّما -وهذه الثلاثة هي غالب أنواع الرقص الموجود والذي عمَّت به البلوى- أن هذا النوع من الرقص مُحرَّم باتفاق العقلاء، ولا ينازع في هذا إلا قليلُ الدِّين والعقلِ؛ حيث اشتمل على المنكرات والمفاسد العظيمة، والتي لا تخفى على أحد.

ثانيا: ما سوى ذلك، فإذا كان في المواضع التي جاءت الشريعة بإقرارها، وهو ما كان لإظهار السرور والفرح وإظهار الشجاعة ونحوه، فإنه مباح للآتي:

أولا: إقرار النبيr للعب الحبشة، ولعبهم هو عين ما نحن فيه، حيث كان لعبا بحركات مخصوصة وترتيب خاص، مع حملهم الحراب والدرق، فهذا دالٌّ على جواز مثل هذا النوع من الحركات، وهي فيما اصطلحنا عليه رقص؛ ولعل جـوازه لما فيه من إظهار الشجاعة والكر والفر والإقدام، وهذه مقاصد شرعية مطلوبة، سواء كان ذلك على وجه الجد، أو على وجه اللعب والهزل، مع ما في ذلك من فسـحة للنفس، وهو مطلب شرعي .

نقل في الفروع عن الخطابي قوله: وإنما استثنى رسول اللهrهذه الخلال من جملة ما حرم منها؛ لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه، ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة بالسِّلاح والشدِّ على الأقدام ونحوهما مما يرتاض به الإنسان فيقوى بذلك بدنه ويتقوى به على مجالدة العدو([29]) 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف