المواد / المقالات / حكم الاستعانة بالكفار

حكم الاستعانة بالكفار

تاريخ النشر : 22 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1095
مشاركة هذه المادة ×
"حكم الاستعانة بالكفار"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

حكم الاستعانة بالكفار

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فإنه بتتبع كلام الفقهاء واستقراء لبعض ما ذكروا في هذا الباب، يمكن تقسيم الاستعانة بالكفار إلى ثلاثة أقسام: -

الأول: الاسـتعانة بهم في الغـزو والقتال، أي: الوقوف في صف المسـلمين كمقاتلين.

الثَّاني: الولايات العامة التي تؤثر في كيان العمل الذي يتواجدوا فيه، كالأعمال الكتابية والحسابية والإدارية ونحو ذلك، مما يتطلعون فيه على أسرار المسلمين.

  الثالث: ما سوى ذلك من الأعمال التي لا يحصل لهم فيها إعزاز وإدارة واطلاع على أسرار المسلمين.

أما القسم الأول: وهو الاستعانة بغير المسلمين في الغزو والجهاد، فقد ذهب  أكثر أهل العلم إلى تحريم ذلك، والتشديد فيه([1])، ويدلُّ لذلك الآتي: -

أولا: نهي الله Iعن موالاة الكفار، والركون إليهم، وذلك في نصوص عديدة، منها:

قـوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيـدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا[(النساء-144)

1-وقوله: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين[َ(المائدة-51).

2-وقوله: ]وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُون[َ(هود-113).

3-وقوله: ]وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا[(الكهف-51).

4-وقـوله: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَق[ِّ(الممتحنة-1).

فكل هذه النصوص تدل على تحريم الركون إلى الكفار وموالاتهم، والاستعانةُ بهم لا تتم إلا بموالاتهم.

ثانيا: من السنة:

1-عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله rقبل بدر فلما كان بحَرَّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله rحين رأوه، فلما أدركه قال لرسول اللهr: جئت لأتبعك وأصيب معك، فقال له رسول اللهr: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: "فارجع، فلن أستعين بمشرك" قالت: ثم مضى حتَّى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي r كما قال أول مرة: "ارجع فلن أستعين بمشرك" ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟  قال: نعم، فقال له رسول r: "فانطلق"([2]) .

2-عن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدهtقال: أتيت رسول الله r وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال: أو أسلمتما؟  قلنا: لا، قال: "فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين" قال: فأسلمنا وشهدنا معه([3]) .

  ثالثا: من النظر: أن الاستعانة بالكفار تعزيز لهم وتقوية وتقديم ودولة، والواجب على المسلمين إذلالهم، وإلحاق الصَّغار بهم([4]).

  تنبيـه: هذا الذي ذُكِر إنما هو في الاستعانة بالمشرك على المشرك، أما على المسلم فالأمر أعظم وأشد.

  أما القسم الثاني: وهو الاستعانة بهم في الولايات التي دون الغزو، كالأعمال الكتابية والحسابية والإدارة والوزارات التنفيذية ونحو ذلك، فقد شدد العلماء في المنع من ذلك، وقد ورد فيها الآتي: -

  أولا: عن أنس بن مالكtقال: قال رسول الله r: "لا تستضيئوا بنار المشركين، ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا"([5])أي: لا تستشيروهم، ولا تأخذوا آراءهم، فجعل الضوء مثل الرأي عند الحيرة([6])؛ لأن في الاستعانة بهم في ذلك من المفسدة ما لا يخفى، وما يفضي إليه كتصديرهم في المجالس، والقيام لهم، وعلوهم على المسلمين.

ثانيا: عن عمرtأنه أنكر على أبي موسىtحين استعمل كاتبا نصرانيا، فانتهره عمر، وقرأ: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[(المائدة-51)فقال أبو موسى: ما توليتهم، وإنما كان يكتب، فقال: أما وجدت في أهل الإسلام من يكتب؟! لا تدنهم إذ أقصاهم الله، ولا تأمنهم إذ خونهم الله، ولا تعزهم إذ أذلهم الله([7]) .

  وورد عليه كتاب معاوية بن أبي سفيانt: أما بعد، يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتبا نصرانيا، لا يتم أمر الخراج إلا به، فكرهت أن أقلده دون أمرك، فكتب إليه: عافانا الله وإياك، أما بعد، فإن النصراني قد مات، والسلام([8])، أي: قدر أن النصراني مات .   

وكان لعمرtعبد نصراني، فقال له: أسـلم حتَّى نسـتعين بك على بعض أمور المسلمين، فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم، فأبى، فأعتقه، وقال: اذهب حيث شِئت([9]).

  وكتب إلى أبي هريرة رضي الله عنه: وأبعِدْ أهلَ الشِّرك، وأنكِرْ أفعالَهم، ولا تستعِنْ في أمر من أمور المسلمين بمشرك ([10]).

  وكتب عمر بن عبد العزيز إلى جميع عماله في الأوقاف ..وقد بلغني عن قوم من المسلمين فيما مضى أنهم إذا قدموا بلدا أتاهم أهل الشرك، فاستعانوا بهم في أعمالهم وكتابتهم، لعلمهم بالكتابة والجباية والتدبير، ولا خير، ولا تدبير فيمن يغضب الله ورسولهr...فلا أعلم أن أحدا من العمال أبقى في عمله رجلا متصرفا على غير دين الإسلام إلا نكلت به ...وأنزلوهم منزلتهم التي خصهم الله بها من الذل والصغار([11]).

وسئل أحمد عن استعمال اليهود والنصارى في أعمال المسلمين، مثل الخراج، فقال: لا يستعان بهم في شيء، وقال: لا تستعملوا اليهود والنصارى، فإنهم يستحلون الرشاء في بيعهم، ولا تحل الرشاء([12]).

قال شيخ الإسلام: الولاية إعزاز وأمانة، وهم يستحقون الذل والخيانة، والله يغني عنهم المسلمين، فمن أعظم المصائب على الإسلام وأهله أن يجعلوا في دواوين المسلمين يهوديا، أو نصـرانيا، وقال: لا يجوز استعمالهم على المسلمين، فإنه يوجب إعلاءهم على المسلمين، وأيضا فإن هذه الوظائف غير مناسبة للكفار؛ لأنها تتطلب أمانة عظيمة، ومسؤولية شرعية، فتستوجب دينا، وإخلاصا، وأمانة، وهذا لا يوجد عند غير المسلمين؛ لما يضمرونه للمسلمين من عداوة ظاهرة، ويتمنون إلحاق الضرر بنا بشتى الطرق، ويفرحون بكل ما يصيب المسلمين من ضرر وأذى([13]) .

والنصوص الواردة عن أهل العلم في ذلك كثيرة جدا، وكلها تمنع من استعمالهم في هذه المهام، كالكتابة، والحساب، والوزارات التنفيذية، ونحوها([14]).

أما القسم الثالث: وهو الاستعانة بهم في الخدمة العامة البعيدة عن الأمور السَّابقة، فإن هذا لا بأس به، قال مالك: إن كانوا خَدَما للمسلمين فيجوز([15])، قال في المحلى: وهذا عموم مانع من أن يستعان بهم في ولاية أو قتال، أو شيء من الأشياء، إلا ما صح الإجماع على جواز الاستعانة بهم فيه، كخدمة الهداية، أو الاستئجار، أو قضاء الحاجة، وغيره مما لا يخرجون فيه عن الصَّغار([16])، وهذا القول متماشٍ مع ما اشترطه الفقهاء في جواز الاستعانة بهم، مع أمن الضرر والمفسدة، وألا يكون لهم شوكة وصولة، وألا يدخلوا في الرأي والمشورة([17])  .

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

 في 22/11/1428هـ



([1] )  وانظر :نيل الأوطار 8/45، 44ط/دار الجيل0

([2] )  أخرجه مسلم في الجهاد والسير/باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر(1817)0

([3]) أخرجه أحمد3/454، والحاكم في المستدرك2/132، والطبراني في الأوسط5/221، والبيهقي في السنن الكبرى9/37، والحديث صححه الحاكم، والبيهقي 0

([4]) انظر الخلاف كاملا في الاستعانة بالكفار في الآتي:اقتضاء الصراط المستقيم (فصل الاستعانة بأهل الذمة )، والمذمة في استعمال أهل الذمة(54)، ونيل الأوطار8/44ط/ دار الجيل، والقول المختار في حكم الاستعانة بالكفار(44،43)،والاستعانة بغير المسلمين لعبد الله الطريقي 0

([5]) أخرجه أحمد3/99، والنسائي في الزينة/باب قول النبيr:"لا تنقشوا خواتيمكم000"(5114)، وفي إسناده أزهر بن راشد البصري، وهو مجهول، انظر:تقريب التهذيب1/74، وضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة10/283 0

([6] ) حاشية السندي8/177 0

([7]أخرجه البيهقي في السنن الكبرى10/127، والحديث حسنه الحافظ كما نقله عنه المناوي في فيض القدير6/350 0

([8] )  ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة1/455، ط/دار رمادى للنشر-بيروت،ولم أجده بعد البحث0

([9] )  مصدر سابق0

([10] )  مصدر سابق0

([11] )  مصدر سابق1/456 0

([12] )  أحكام أهل الذمة1/156 0

([13]

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف