التشبُّه بالفَسَقَة والماجِنين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالمنع من التشبه بأهل الفسق، بفعل ما
يخصُّهم، من أقوال أو أفعال أو هيـئات أو لبـاس، وإن لم تكن مُحرَّمة بعينها، وعلى
ذلك جرت نصوص الشريعة، ومن ذلك الآتي: -
أولا: قولـه تعـالى: ] وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ
فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُون[(الحشر-19) ففي الآية نهي صريح عن التشبه بالمعرضين عن الله،
المتجاوزين لحدوده ، المرتكبين للذنوب؛ ولذلك جـاز أن يوصفوا بأنهم نسوا الله، فلا
يجوز لمسـلم التشبه بمن حاله كذلك، فإن فعل كان من جملتهم، واستحق ما يستحقونه من
عقاب([1]).
ثانيا: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيrقال: "من تشبه بقوم فهو منهم"([2])
وهذا النَّص عام يشمل كل تشبه،
سواء كان بالكفار، أو الفساق، أو أهل البدع وأهل الصلاح والإيمان، فحَرِيٌّ
بالمسلم أن يتشبه بأهل الطاعة والدِّين، وأن يبعد عن مشابهة أهل الفسق والمجون،
ولذلك نص الفقهاء على تحريم أشياء مباحة إذا فعلت على نفس الوجه الذي يفعله
الفساق، ومن ذلك ما يأتي:
جاء في حاشية ابن عابدين: "إذا شرب الماء وغيره من
المباحات بلهو وطرب على هيئة الفسقة حرم"([3]).
وجاء في شرح فتح القدير: "ويكره أن يلف العمامة
حول رأسه ويدع وسطها كما تفعله الدعرة([4]).
وجاء في روضة الطالبين: "الضرب بالصَّفَّاقتين([5]) حرام؛ لأنه من عادة المخنثين"([6]).
وأما النظر فمن وجوه:
الأول: أن التَّشبُّه بالفساق دعوة إلى استمرار فسقهم،
وتخييل له بأنهم على الحق والخير .
الثاني: أن التشبه بهم نشر ودعوة إلى ما فسقوا به من
غناء أو رقص أو شرب ونحوه، وهذا من في حد ذاته مخالف لمطلب هام من مطالب الشرع،
وهو القضاء على الفساد وأهله .
الثالث: التشبه بهم تعاون على الإثم والعدوان وهو منهي
عنه، فالمتشبه بهم واقع في النهي من ناحية تعاونه معهم، ومن ناحية مباشرته لفسقهم.
الرابع: المتشبه بهم واضع نفسه
موضع الريبة والتهمـة، وأن يظـن به سوءا، قال القرطبي: لو خص أهل الفسوق والمجون
بلباس منع لبسه لغيرهم، فقد يظن به من لا يعرفه أنه منهم، فيظن به ظن السوء، فيأثم
الظان والمظنون فيه، بسبب العون عليه([7]).
الخامس: أن التشبه بالفساق يحمل على الوقوع في نفس ما فسقوا
به وزيادة عن رضا واختيار؛ لأن التشبه متضمن للمحبة والإعجاب، وإذا كان كذلك فإن
الغالب على من كان هذا حاله أن يباشر تلك المعاصي اقتداء بمحبوبه.
السادس: أن المسلم مطالب شرعا بالابتعاد عن محال
المعاصي ومواضعها، فضلا عن مباشرتها والوقوع فيها، والتشبه بأهل الفسق وقوع في
المعاصي بطريق مباشر.
السابع: أن عدم التشبه بالفساق، والبعد عنهم سبب في
رجوعهم عما هم فيه من المعاصي، وزجر لهم عن فسقهم.
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 16/5/1429هـ