كُفْرُ المتشبِّه بالكفار في لباسِهِم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين، وبعد
قبل ذكر
الخلاف في تلك المسألة فإن الواجب تحرير محل النزاع فيها، وهو على النحو الآتي: -
أولا:
اتفق العلماء على أن المسلم إذا تشبه بالكفار في لبس لباس معين خاص بهم، قاصدا ذلك
مريدا له؛ لكون الكفار يفعلونه، مع محبته و استحسانه وتعظيمه إياه أنه يكفر بذلك.
ثانيا:
اتفقوا على جوازه إذا لكان للضرورة، أو الحاجة الظاهرة .
ثالثا:
إذا لبس لباس الكفار بدون قصد ولا ميل ولا رغبة فيه، فهذا محل الخلاف، فهل يكفر،
أو لا يكفر؟ على قولين لأهل العلم مع اتفاقهم على التحريم: -
القول
الأول: أن التَّشبُّه بالكفار في اللبـاس الذي هو شعار لهم كُفـْرٌ، وهو الصحيح من
مذهب الحنفية ([1])، ومذهب المالكية([2]) .
واستدلوا
بالآتي:
أولا:
عموم قولهr: "من تشبه بقوم فهو منهم"([3]) .
المناقشة:
يناقش هذا الحديث بأن فيه الدلالة على أنه لابد من القصد، أما إن وقع ذلك بلا قصد
فإن الحديث لا يدلُّ على كفره، ويؤيد ذلك أن النبيr نهى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما لما رأى عليه
الثوبين المعصفرين([4])، ولم يكفِّره .
ثانيا: أن
اللباس الخاص بالكفار علامة الكفر، ولا يلبسه إلا من التزم الكفر، ومدرك هذا الحكم
أن المتشبه بهم على هذا النحو قد أخل بأحد أصلي الإيمان، وهو المحبة لله ورسوله
ودينه، وهذا موجب للكفر([5]).
المناقشة:
يناقش هذا بعدم التسليم، بل قد يلبس لباس الكفار لضعف في دينه، لكن هذا الضعف لا
يصل إلى حد الكفر، والإخلال بأصل الدِّين من محبة الله ورسوله ودينه، ولا يمكن أن
يقال: إن هذا مخلٌّ بهذا الأصل إلا إذا علم من حاله تصريحا، أو تلميحا أنه معظِّمٌ
لهذا مؤثِرٌ إياه؛ لكونه لباس الكفار، فإن كان الأمر كذلك اتفقنا على كفره، كما هو
الحال في القِسْم الأول المذكور في تحرير محل النزاع، أما مجرَّد اللبس فهو ليس
كافيا في الدلالة على الكفر، وقد تقرَّر شرعا أن ما ثبت بيقين فلا يزول
بمجرَّد الشك، فإذا ثبت إيمان شخص فلا
ينتقل عنه إلى الكفر إلا بيقين.
القول
الثاني: تحريم التشبه بالكفار في اللباس الذي هو شعار لهم، دون الحكم بكفر فاعله،
وهو قول لبعض الحنفية([6])، وبعض المالكية([7])، ومذهب الشافعية([8])، والحنابلة([9]).
واستدلوا
بالآتي:
أولا: حديث
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبيr رأى عليه ثوبين معصفرين، فقال: " إن هذه ثياب الكفار فلا
تلبسها"([10]) .
وجه
الدلالة: أنه لو كان لبسه إياها كفرا لأخبره النبي r بذلك، ولأمره بتجديد دينه، ولبين له الحكم واضحا، ولما أخر البيان
عن وقت الحاجة([11]).
ثانيا: أن
الأصل الإيمان، فلا يخرج أحدٌ منه إلا من الباب الذي دخل منه، قال أبو حنيفة: لا
يخرج أحد من الإيمان إلا من الباب الذي دخل منه، وهما الإقرار والتصديق، وهما
قائمان([12]).
التَّرجيح:
الرَّاجح في هذه المسألة التفصيل الآتي: -
أولا:
إذا كان ذلك اللباس الذي يلبسه المسلم من لباس الكفار، الذي هو شعار لدينهم، ولا
يلبسه إلا المتدينـون منهم، كلباس القساوسة، والرهبـان، والمتعبدة من المجوس
ونحوهم، كتعليق الصليب، أو نجمة داود، فالأرجح الحكم بكفر من يفعله وهو يعلم ذلك؛
وذلك أن الواجب في مثل هذه الحال مجانبته ومعاداته.
ثانيا: أما
إذا كان اللباس مما يختص به عوام الكفار، لا أنه زي متدينيهم، كالبرنيطة والطرطور
والقلنسوة والزِّنار([13]) ونحوها، فإن الأرجح تحريم ذلك؛
حيث جاء النهي عنها صريحا، كما في قولهr: "إن هذه ثياب الكفار
فلا تلبسها"ولم يكفِّر اللابس، إنما نهاه، وهذا يقتضي التحريم دون الكفر .
وهذا
مقيد بما إذا كان هذا اللباس مختصا بالكفار كما سبق بيانه، أما ما شاع وانتشر بين
المسلمين، فإنه لا يحكم بتحريمه إلا على مَنْ جَلَبه للمسلمين ابتداء.
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 29/11/1438هـ