المواد / المقالات / دارُ الكُفرِ

دارُ الكُفرِ

تاريخ النشر : 1 ذو القعدة 1445 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2144
مشاركة هذه المادة ×
"دارُ الكُفرِ"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

دارُ الكُفرِ

تقدم التعريف بدار الإسلام، وأنها دار لها خصائصها التي تميزها عن دار الكفر، ولعل من أبرز خصائصها أنها الدار التي تكون الغلبة فيها لأحكام الإسلام، والسلطة والولاية فيها لأهل الإسلام، كما تظهر فيها شعائر الإسلام.

أما دار الكفر فهي خلاف دار الإسلام، وقد تفاوتت عبارات الفقهاء في دار الكفر، إلا أنها في الجملة تنحى لاتجاهين:

الاتجاه الأول: اعتبار الدار بالظهور، فإن كان الكفر أظهر كانت دارَ كفر، وإن كان الإسلام أظهر كانت دارَ إسلام.

قال الكاساني: "وإنما تضـاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر لظهـور الإسلام أو الكفر فيها .. وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما، فإذا ظهرت أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة، ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها، والله سبحانه وتعالى أعلم "([1]).

جاء في المدونة في سياق الكلام على مكة: "وكانت الدار يومئذ دار الحرب؛ لأن أحكام الجاهلية كانت ظاهرة"([2]).

وقال الشوكاني رحمه الله: "ودار الإسلام ما ظهرت فيه الشهادتان والصلاة, ولم تظهر فيها خصلة كفرية, ولو تأويلا إلا بجوار, وإلا فدار كفر"([3]).

فهذا الاتجاه جعل دار الكفر منوطة بظهور أحكام الكفر فيها، وعلى ضدِّها دار الإسلام.

الاتجاه الآخر: وهو اتجاه يجعل الأمر منوطا بالأمن والخوف.

جاء في بدائع الصنائع:

"الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق، والخوف للكفرة على الإطلاق فهي دار الإسلام، وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق، والخوف للمسلمين على الإطلاق، فهي دار الكفر"([4]).

وقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله الرأيين السابقين ثم اختار رأي أبي حنيفة رحمه الله، وهو أن مدار الحكم على أمن المسلم، فإن كان آمنًا بوصف كونه مسلمًا، فالدار دار إسلام، وإلا فهي دار كفر، وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام ويوافق الأصل في فكرة الحروب الإسلامية، وأنها لدفع الاعتداء". اهـ([5]).

أما تعريف دار الكفر عند المعاصرين، فهي كالآتي:

"هي الدار التي لا تجري فيها أحكام الإسلام، ولا يأمن فيها بأمان المسلمين"([6]).

وقيل: "هي الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم المسلم، ولا يكون أهلها مقيمين فيها بعهدٍ يحدد العلاقة بينهم وبين حاكم المسلمين"([7]).

وعرَّفها الدكتور وهبة الزحيلي بأنها: "البلاد التي لا تطبق فيها أحكام الإسلام الدينية والسياسية لوجودها خارج نطاق السيادة الإسلامية"([8]).

بناء على هذه التعريفات يمكن أن تكون أبرز خصائص دار الكفر الآتي:

1- أنها الدار التي لا يأمن فيها المسلمون على دينهم، بينما يأمن الكفار.

2- الدار التي تكون فيها الولاية والسلطة لغير المسلمين.

3- الدار التي لا تجري فيه أحكام الإسلام الظاهرة.

والذي يظهر أن الاعتبار بظهور الكلمة وظهور شعائر الكفر أو الإسلام، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام, ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار, ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في البلدان الإسلامية, وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس([9])، وهذا كله مع كون السلطة والولاية لغير المسلمين.

ولا يبعد أن تكون الدار مركبة، فليست دار إسلام ولا دار كفر، فقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن بلد ماردين: هل هى بلد حرب أم بلد سلم, وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا, وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله هل يأثم فى ذلك، وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟

فأجاب: "الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا فى ماردين أو غيرها, وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم، والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب .. وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين, ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه, ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"([10]).

أقسام دار الكفر:

تنقسم دار الكفر إلى دارين: دار العهد، ودار الحرب.

أولا: دار العهـــــــد:

العهد لغة:

يطلق العهد في اللغة على الأمان والذّمّة واليمين والحفظ ورعاية الحرم، وكلّ ما بين العباد من المواثيق فهو عهد([11]).

ومنه قوله تعالى: ] ألَمْ أعْهَدْ إِلَيْكُمْ [ يس-60، أي: ألم أُقَدِّم إليكم من الأمر الذي أوجبتُ عليكم الاحتفاظَ به.

والمراد بدار العهد: "كل بلد صالحَ الإمامُ أهلَها على أن تكون تلك الأرض لهم، وللمسلمين الخراج عنها"([12]).

وتسمّى دار الموادعة، ودار الصّلح، ودار المعاهدة، ويغلب على سكانها كونهم معاهدين غير مسلمين([13]).

فالأمان رفع استباحة دم الحـربي ورِقـِّه ومالِه حين قتاله، أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما([14]).

وقد جرى عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة، فعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات([15]).

ومن صور العهد في هذه الأزمنة: الاشتراك في منظمات دولية يلتزم أعضاؤها عدم تعرُّض بعضِهِم لبعض مدة عضويتهم في هذه المنظمة، وتسمى دارهم دار عهد.

وبمقتضى المعاهدة يعتبر كلُّ مقيمٍ في دار العهد آمنًا بأمان الدار، ومعصوم الدم والمال والعرض، فيمنع الإمامُ المسلمين والذميين من إيذاء أهل دار العهد والتعرُّض لهم؛ لأنهم استفادوا الأمان في أنفسهم وأموالهم بالموادعة، فإن أغار عليهم قومٌ من أهل الحرب فلا يجب على المسلمين الدفاع عنهم؛ لأنهم بهذا العهد لم يخرجوا عن أن يكونوا أهل حرب؛ لأنهم لم ينقادوا لحكم الإسلام، فلا يجب على المسلمين نصرتهم.

وعقد العهد غير لازم، فهو عقد محتمل للنقض، وهذا في حال الخوف من خيانتهم، فللإمام أن ينبذ إليهم على سواء، قال تعالى: ] وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [ الأنفال - 58.

 والحال مختلف في عقد الذمة، فإذا عاهدهم الإمام على أن تجري في دارهم أحكام الإسلام فهو عقد لازم، لا يحتمل النقضَ مِنَّا؛ لأن هذا عقد ذمة، والدار دار إسلام يجري فيها حكم الإسلام([16]).

ثانيا: دار الحــــرب

اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف دار الحرب، وهي في الجملة ينطبق عليه وصف دار الكفر الباقية على ما هي عليه من حيث العلاقة بالمسلمين، فليس بين أهلها وبين أهل دار الإسلام معاهدة أو هدنة.

فقيل في تعريف دار الحرب: "كلّ بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة"([17]).

وقيل: "هي كل مكان يسكنه غير المسلمين، ولم يسبق فيه حكم إسلامي، أو لم تظهر فيه قط أحكام الإسلام"([18]).

وهذه التعاريف في الواقع لا تخرجها عن الجنس الداخلة تحته، وهو دار الكفر؛ لذا فالتعريف المناسب أن يقال: "هي دار الكفر التي ليس بينها وبين دار الإسلام عهد أو هدنة".

وخصائص دار الحرب كالآتي:

1-   لا يوجد فيها مسلمون يؤدون واجباتهم الإسلامية والشعائر الدينية.

2-   لا تكون السلطة والمنعة فيها للمسلمين.

3-   لا تنفذ فيها أحكام الإسلام، ولا يقوى المسلمون على تنفيذها.

4-   ليس بين أهلها وبين المسلمين عهد مصالحة أو هدنة.

5- يتوقع منها حرب على المسلمين.

وقد قسم العلماء دار الحرب إلى قسمين:

الأول: بلاد الكفار الحربيين، وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الذهن ابتداء.

الثاني: دار الموادعة أو المهادنة، وهي بلاد الكفار المهادنين([19]).

وفي الجملة فدار الكفر ودار الحرب عند الفقهاء بمعنى واحد، غير أنه إذا أطلق عليها دار الكفر فلأن الغلبة والسلطة للكافر، وإذا أطلق عليها دار الحرب فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فِعليَّة مع دار الإسلام.

فدار الكفر دار حرب ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت أصبحت دار كفر معاهدة، أو دار عهد، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيِّر من حقيقة دار الكفر شيئا، فتبقى تلك الدار دار كفر يحفظ لهم عهدهم، حتى ولو بقي العهد عشرات السنين، فإن انتقض العهد أو انتهى عادت دار كفر حربية.

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 7/8/1430هـ

 



([1])  بدائع الصنائع 15/406، وانظر: حاشية ابن عابدين 3 / 253، وكشاف القناع 3 / 43، الإنصاف 4 / 121.

([2])  المدونة الكبرى 1/510.

([3])  السيل الجرار 4 / 575.

([4])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 15/407.

([5])  نظرية الحرب في الإسلام (38)، والجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي (260) وما بعدها.

([6])  السياسة الشرعية (69). 

([7])  العلاقات الدولية في الإسلام لأبو زهرة (56). 

([8])  العلاقات الدولية في الإسلام لوهبة الزحيلي (105). 

 

([9])  السيل الجرار 4/575.

([10])  مجموع الفتاوى 28/240.

([1]).

جاء في المدونة في سياق الكلام على مكة: "وكانت الدار يومئذ دار الحرب؛ لأن أحكام الجاهلية كانت ظاهرة"([2]).

وقال الشوكاني رحمه الله: "ودار الإسلام ما ظهرت فيه الشهادتان والصلاة, ولم تظهر فيها خصلة كفرية, ولو تأويلا إلا بجوار, وإلا فدار كفر"([3]).

فهذا الاتجاه جعل دار الكفر منوطة بظهور أحكام الكفر فيها، وعلى ضدِّها دار الإسلام.

الاتجاه الآخر: وهو اتجاه يجعل الأمر منوطا بالأمن والخوف.

جاء في بدائع الصنائع:

"الأمان إن كان للمسلمين فيها على الإطلاق، والخوف للكفرة على الإطلاق فهي دار الإسلام، وإن كان الأمان فيها للكفرة على الإطلاق، والخوف للمسلمين على الإطلاق، فهي دار الكفر"([4]).

وقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله الرأيين السابقين ثم اختار رأي أبي حنيفة رحمه الله، وهو أن مدار الحكم على أمن المسلم، فإن كان آمنًا بوصف كونه مسلمًا، فالدار دار إسلام، وإلا فهي دار كفر، وقال: إنه الأقرب إلى معنى الإسلام ويوافق الأصل في فكرة الحروب الإسلامية، وأنها لدفع الاعتداء". اهـ([5]).

أما تعريف دار الكفر عند المعاصرين، فهي كالآتي:

"هي الدار التي لا تجري فيها أحكام الإسلام، ولا يأمن فيها بأمان المسلمين"([6]).

وقيل: "هي الدار التي لا يكون فيها السلطان والمنعة للحاكم المسلم، ولا يكون أهلها مقيمين فيها بعهدٍ يحدد العلاقة بينهم وبين حاكم المسلمين"([7]).

وعرَّفها الدكتور وهبة الزحيلي بأنها: "البلاد التي لا تطبق فيها أحكام الإسلام الدينية والسياسية لوجودها خارج نطاق السيادة الإسلامية"([8]).

بناء على هذه التعريفات يمكن أن تكون أبرز خصائص دار الكفر الآتي:

1- أنها الدار التي لا يأمن فيها المسلمون على دينهم، بينما يأمن الكفار.

2- الدار التي تكون فيها الولاية والسلطة لغير المسلمين.

3- الدار التي لا تجري فيه أحكام الإسلام الظاهرة.

والذي يظهر أن الاعتبار بظهور الكلمة وظهور شعائر الكفر أو الإسلام، فإن كانت الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع من فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذونا له بذلك من أهل الإسلام، فهذه دار إسلام, ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها لأنها لم تظهر بقوة الكفار, ولا بصولتهم كما هو مشاهد في أهل الذمة من اليهود والنصارى والمعاهدين الساكنين في البلدان الإسلامية, وإذا كان الأمر العكس فالدار بالعكس([9])، وهذا كله مع كون السلطة والولاية لغير المسلمين.

ولا يبعد أن تكون الدار مركبة، فليست دار إسلام ولا دار كفر، فقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن بلد ماردين: هل هى بلد حرب أم بلد سلم, وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة إلى بلاد الإسلام أم لا, وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر وساعد أعداء المسلمين بنفسه أو ماله هل يأثم فى ذلك، وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه به أم لا؟

فأجاب: "الحمد لله، دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا فى ماردين أو غيرها, وإعانة الخارجين عن شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم، والمقيم بها إن كان عاجزا عن إقامة دينه وجبت الهجرة عليه، وإلا استحبت ولم تجب .. وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين, ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه, ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"([10]).

أقسام دار الكفر:

تنقسم دار الكفر إلى دارين: دار العهد، ودار الحرب.

أولا: دار العهـــــــد:

العهد لغة:

يطلق العهد في اللغة على الأمان والذّمّة واليمين والحفظ ورعاية الحرم، وكلّ ما بين العباد من المواثيق فهو عهد([11]).

ومنه قوله تعالى: ] ألَمْ أعْهَدْ إِلَيْكُمْ [ يس-60، أي: ألم أُقَدِّم إليكم من الأمر الذي أوجبتُ عليكم الاحتفاظَ به.

والمراد بدار العهد: "كل بلد صالحَ الإمامُ أهلَها على أن تكون تلك الأرض لهم، وللمسلمين الخراج عنها"([12]).

وتسمّى دار الموادعة، ودار الصّلح، ودار المعاهدة، ويغلب على سكانها كونهم معاهدين غير مسلمين([13]).

فالأمان رفع استباحة دم الحـربي ورِقـِّه ومالِه حين قتاله، أو العزم عليه مع استقراره تحت حكم الإسلام مدة ما([14]).

وقد جرى عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش عام الحديبية في السنة السادسة من الهجرة في ذي القعدة، فعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات([15]).

ومن صور العهد في هذه الأزمنة: الاشتراك في منظمات دولية يلتزم أعضاؤها عدم تعرُّض بعضِهِم لبعض مدة عضويتهم في هذه المنظمة، وتسمى دارهم دار عهد.

وبمقتضى المعاهدة يعتبر كلُّ مقيمٍ في دار العهد آمنًا بأمان الدار، ومعصوم الدم والمال والعرض، فيمنع الإمامُ المسلمين والذميين من إيذاء أهل دار العهد والتعرُّض لهم؛ لأنهم استفادوا الأمان في أنفسهم وأموالهم بالموادعة، فإن أغار عليهم قومٌ من أهل الحرب فلا يجب على المسلمين الدفاع عنهم؛ لأنهم بهذا العهد لم يخرجوا عن أن يكونوا أهل حرب؛ لأنهم لم ينقادوا لحكم الإسلام، فلا يجب على المسلمين نصرتهم.

وعقد العهد غير لازم، فهو عقد محتمل للنقض، وهذا في حال الخوف من خيانتهم، فللإمام أن ينبذ إليهم على سواء، قال تعالى: ] وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [ الأنفال - 58.

 والحال مختلف في عقد الذمة، فإذا عاهدهم الإمام على أن تجري في دارهم أحكام الإسلام فهو عقد لازم، لا يحتمل النقضَ مِنَّا؛ لأن هذا عقد ذمة، والدار دار إسلام يجري فيها حكم الإسلام([16]).

ثانيا: دار الحــــرب

اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف دار الحرب، وهي في الجملة ينطبق عليه وصف دار الكفر الباقية على ما هي عليه من حيث العلاقة بالمسلمين، فليس بين أهلها وبين أهل دار الإسلام معاهدة أو هدنة.

فقيل في تعريف دار الحرب: "كلّ بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرة"([17]).

وقيل: "هي كل مكان يسكنه غير المسلمين، ولم يسبق فيه حكم إسلامي، أو لم تظهر فيه قط أحكام الإسلام"([18]).

وهذه التعاريف في الواقع لا تخرجها عن الجنس الداخلة تحته، وهو دار الكفر؛ لذا فالتعريف المناسب أن يقال: "هي دار الكفر التي ليس بينها وبين دار الإسلام عهد أو هدنة".

وخصائص دار الحرب كالآتي:

1-   لا يوجد فيها مسلمون يؤدون واجباتهم الإسلامية والشعائر الدينية.

2-   لا تكون السلطة والمنعة فيها للمسلمين.

3-   لا تنفذ فيها أحكام الإسلام، ولا يقوى المسلمون على تنفيذها.

4-   ليس بين أهلها وبين المسلمين عهد مصالحة أو هدنة.

5- يتوقع منها حرب على المسلمين.

وقد قسم العلماء دار الحرب إلى قسمين:

الأول: بلاد الكفار الحربيين، وهذا القسم هو الذي ينصرف إليه الذهن ابتداء.

الثاني: دار الموادعة أو المهادنة، وهي بلاد الكفار المهادنين([19]).

وفي الجملة فدار الكفر ودار الحرب عند الفقهاء بمعنى واحد، غير أنه إذا أطلق عليها دار الكفر فلأن الغلبة والسلطة للكافر، وإذا أطلق عليها دار الحرب فباعتبار مآلها وتوقع الحرب منها، حتى ولو لم يكن هناك حرب فِعليَّة مع دار الإسلام.

فدار الكفر دار حرب ما لم ترتبط مع دار الإسلام بعهود ومواثيق، فإن ارتبطت أصبحت دار كفر معاهدة، أو دار عهد، وهذه العهود والمواثيق لا تُغيِّر من حقيقة دار الكفر شيئا، فتبقى تلك الدار دار كفر يحفظ لهم عهدهم، حتى ولو بقي العهد عشرات السنين، فإن انتقض العهد أو انتهى عادت دار كفر حربية.

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 7/8/1430هـ

 



([1])  بدائع الصنائع 15/406، وانظر: حاشية ابن عابدين 3 / 253، وكشاف القناع 3 / 43، الإنصاف 4 / 121.

([2])  المدونة الكبرى 1/510.

([3])  السيل الجرار 4 / 575.

([4])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 15/407.

([5])  نظرية الحرب في الإسلام (38)، والجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي (260) وما بعدها.

([6])  السياسة الشرعية (69). 

([7])  العلاقات الدولية في الإسلام لأبو زهرة (56). 

([8])  العلاقات الدولية في الإسلام لوهبة الزحيلي (105). 

 

([9])  السيل الجرار 4/575.

([10])  مجموع الفتاوى 28/240.

(

الحقوق العلمية محفوظة