خزانة الفتاوى / الصلاة / ليس من السُّنة مكثُ الإمامِ مستقبلا القبلةَ بعدَ المغربِ والفجرِ

ليس من السُّنة مكثُ الإمامِ مستقبلا القبلةَ بعدَ المغربِ والفجرِ

تاريخ النشر : 20 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 6653
مشاركة هذه المادة ×
"ليس من السُّنة مكثُ الإمامِ مستقبلا القبلةَ بعدَ المغربِ والفجرِ"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 أخي الحبيب: هل يمكث الإمام بعد صلاة المغرب والفجر مستقبلا القبلة مدة طويلة، كما نراه من بعض الأخوة والأئمة؟ 
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد 
 فإنه من الأخطاء الواقعة من عدد من أئمة المساجد أن يمكث بعد صلاة المغرب أو الفجر مستقبلا القبلة، مستدبرا المصلين، ويعلل ذلك بأنه السنة!! يقصد بذلك حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غُنم مرسلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَتْ حِرْزًا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَحِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَلَمْ يَحِلَّ لِذَنْبٍ يُدْرِكُهُ إِلَّا الشِّرْكَ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ عَمَلًا، إِلَّا رَجُلًا يَفْضُلُهُ، يَقُولُ: أَفْضَلَ مِمَّا قَالَ). 
والحديث في هذه المسألة يدور على أصول ثلاثة: الأول: الأصل في الباب، والثاني: الكلام على ثبوت وإسناد الحديث، والثالث: الكلام في فقه الحديث -على تقدير ثبوته-. 
أما الأول: وهو الأصل في هذا الباب، هو: أن السنة استقبال الإمام المأمومين بمجرد الانتهاء من الصلاة، ثم الاستغفار ثلاثا، وقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام ...، فهذا هو ما وردت به السنة صريحة جلية، من غير استثناء للمغرب أو الفجر، فعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والاكرام"، وقد بوب البخاري، فقال: باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، ثم ساق حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله إذا صلى صلاةً أقبل علينا بوجهه". 
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أقبل عليهم بوجهه. أخرجه البخاري، وهذا في صلاة الغداة، أي: الفجر، وهو واضح جدا في أنه يعقِّب التسليمَ بالاستقبال مباشرة. 
كما أن حال الإمام مع المأمومين حالة استدبار تقتضيها ضرورة الصلاة، والتدابر بين المسلمين مُحرَّم، منهيٌّ عنه في الإسلام، وإنما جاز للصلاة، فإن انتهت الصلاة انقضت الضرورة، وعاد تحريم الاستدبار، فلا يجوز للإمام إن انتهى من الصلاة أن يبقى مستدبرا المأمومين، إلا بقدر ما ورد. 
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: "اسْتِدْبَارُ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْإِمَامَةِ، فَإِذَا انْقَضَتِ الصَّلَاةُ زَالَ السَّبَبُ". 
وقد ذكر أهل العلم معنى مهمًّا في وجوب انصراف الإمام بوجهه إلى المأمومين، وهو ما ذكره الكاساني رحمه الله وغيره بقوله: "ولأن مكثه -أي: الإمام- يوهم الداخلَ أنه في الصلاة، فيقتدِي به فيفسد اقتداؤه، فكان المكثُ تعريضًا لفساد اقتداء غيره به فلا يمكث، ولكنه يستقبل القوم بوجهه". 
كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:" لم يرخِّص في إطالة استقبال الإمام القبلة بعد سلامه للذكر والدعاء، إلا بعض المتأخرين، ممَّن لا يعرف السننَ والآثارَ. 
أما الثاني، وهو ثبوت الحديث، فقد جاء هذا الحديث من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غُنم مرسلا، وهذا هو طريق الحديث الأكثر والأشهر، وقد روي من طرق أخرى أكثر ضعفا. 
وفيه علتان عظيمتان: 
الأولى ضعف شهر بن حوشب، قال ابن عدي: "عامة ما يرويه شهر وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، وشَهْر ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به". 
والعلة الثانية، هو عبد الرحمن بن غنم، فقد اختلف في صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصح أنه ليس له صحبة، ولا لقاء بالنبي صلى الله عليه، فروايته عنه مرسلة، لا يعمل بها. 
أما الثالث: فهو فقه الحديث -لو سلم أنه صح وثبت- وقد سبق بيان ضعفه، فإنه يجاب عليه من وجهين: 
الأول: ليس في الحديث التصريح بأنه يبقى مستقبلا القبلة، إنما جاء: "قبل أن يثني رِجله"، وليس في ذلك دلالة على أنه يبقى مستقبلا القبلة، لا من حيث اللغة، ولا من حيث الشرع، فهو لفظ محتمل لهذا المعنى، ولمعنى آخر، وهو الانصراف من المسجد، فإنه لفظ قد يستعمل في هذا المعنى أيضا، سيما والركبتان أصلا في تلك الحال مثنيتان، فيدل على أنه تعبير مجازي يستعله العرب للانصراف عموما، وهو متردد بين معنى استقبال القبلة أو الانصراف كُليَّةً من المسجد، بل للثاني أقرب، حيث هو المعنى الذي يغاير الحالَ التي كان عليه المصلِّي أصلا.
الثاني: أنه يحمل على المأموم، وليس الإمام، فنص الحديث ليس أنه من فِعل النبي صلى الله عليه وسلم، والذي هو الإمام في تلك الحال، بل هو توجيه عام: "مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَثْنِيَ رِجْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ" فيحمل على المأموم، فإن المأموم يندب له البقاء في مكانه، سيما لقول هذا الذكر، ويتأكد ذلك -بناءً على الحديث- في المغرب والفجر، وأما الإمام فيكره لما تقدم. 
وعليه، فأصول الباب تؤكد على ذم بقاء الإمام مستدبرًا المصلين أكثرَ من الوارد، وفي كل الصلوات، وأن الحديث المذكور ضعيف مرسل سندا، بعيدٌ معنى، وعلى تقدير أنْ سلَّمنا لثبوته، فإنه ليس فيه النصُّ على استقبال القبلة، إنما يحتمله من وجه بعيد جدا، بل حمله على الخروج من المسجد أقرب. 
وأخيرا أتوجه بالنصح لمن يقرأ في نصوص الكتاب والسنة المتعلقة بالأحكام الفقهية، ثم يقوم بالتطبيق مباشرة، دون النظر والمراجعة في شرح وبيان ما قرأه، سيما النصوص التي يكون في معناها تردد، وعدم وضوح، فأنصحه أن يراجع أهل العلم أو كتب الشروح والتفاسير، حتى يقوم بالعمل على هدي صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
تنبيه: ثبث في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ)، لكنه ليس خاصا بصلاة دون صلاة، كما يسن الجهر بها. 
والله الموفق 
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي 
في 11/3/1440هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف