الإذنُ بالذكر باطلٌ وتعدٍّ على الشرع، ودعوى ثبوتِ فضلِهِ بالتجربة استخفافٌ بالعقول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد انتشر في الآونة الأخيرة ظاهرةٌ تدعى بالإذن بالذكر!! وبفضل الله تعالى لما لاقت هذه الظاهرةُ الفِطَرَ السليمةَ، أنكروها، واعترضوا بشدة على فاعلها، فقام البعض بالرد عليهم، مبينا لهم معنى الإذن بالذكر، ومبينا أيضا لماذا هو اسم معين، وبعدد من المرات!!!
أقول وبالله تعالى العون والتوفيق:
هل يوجد في الإسلام كله أن من الذكر المشروع أن يذكر "اسم من أسماء الله تعالى فقط"، كأن تقول: ياعزيز ياعزيز ، أو يا لطيف يا لطيف؟!!
الذكر في الإسلام هو التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ونحوه، أما ذكر اسم فقط، فلا يوجد في دين محمد صلى الله عليه وسلم من أوله لآخره شيء كهذا البتة، لا بعدد معين، ولا بغير عدد.
ولو كان ذكر اسم الله تعالى "اللطيف" مثلا، لعدد من المرات له أدنى فضل، فهل غاب هذا الفضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه رضي الله عنهم، وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ وغيرهم من أكابر فقهاء الصحابة رضي الله عنهم؟!
حتى تنبت نابتة تدعي أنها تأخذ العلم من السند النوراني، حلقاته أهلُ العلم، ورأسُهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حسب عباراتهم البراقة!!
فأين وجدوا هذا الاسم وفضله، ثم هذا العدد وفضله في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟! مادام يدعون أنهم يأخذون العلم من السند النوراني الذي رأسه ...إلخ.
ومادام هذا المدعي يزعم أن رأس الأمر ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا يقف موقف المعظِّم لسنته صلى الله عليه وسلم، ويقف عند حدودها، فما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم أخذ به، وفعله، وما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم تهذَّب وتركه؟!
ثم قالوا: إن الإذن بالذكر من جنس إجازة القرآن!! ووالله هذا بهتان عظيم، فأيُّ شَبَهٍ هذا؟! فالإجازة هي لقاريء يتعلم القرآن، فيمكث الفترات الطويلة عند قارىء متقن يعلمه القراءة والتلاوة وأحكام ذلك كله، فأن أحسنها أَجازَهَ فيما درسه وأتقنه فقط، حتى يجيزه الإجازة التامة في قراءة أو اثنتين أو أكثر، وقد يمكث يتعلم كثيرا حتى ينال هذه الدرجة، فكانت الإجازة بمثابة شهادة علمية أن هذا الطالب أتقن كذا وكذا، فما علاقة هذه الدراسة الطويلة بالذكر، والإذن فيه؟!!
فمجرد أن يقول الرجل: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، هل هذا يحتاج إلى إذن؟!! علما أنه ذكر شرعي نبوي صحيح، رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فهو ميسور مأجور عليه فاعله، لم يحاول المسلمون على مر القرون أخذَ الإذن فيه، وقد ضربوا في الذكر أروع الأمثلة، بالقلب واللسان والجوارح.
ثم أين هذا الإذن الذي رأسُهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الشرع؟ هل أحدٌ أحرصُ على هذا الإذن من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهل أنصحُ لهذه الأمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومع ذلك لا هو شرع هذا، ولا هم قاموا بطلب الإذن منه، وهو رأس الأمر صلى الله عليه وسلم، وهو الأولى بالإذن من غيره، ألا يستحي ذلك الرجل أن يأذن فيما لم يأذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويتجرَّأ على الله تعالى بهذا الشكل، ثم يسعى لتمرير صنيعه المخالف صريحا للشريعة، بتلك الطرق العقيمة.
ومن أغرب ما جاء في ذلك الرد قوله: "وتتحقق لك فضيلة بهذا اﻹذن ليست موجودة لمَنْ ليس عنده هذا اﻹذن، وهو أنك تعلم متى كان النبي ﷺ يذكر بهذا الذكر، وكيف كان يذكر به، وكم مرة كان يذكر به، وهكذا، فكل هذا يعلِّمك إياه الشيخ عندما يأذن لك بالذكر".
فعلى قائل هذا الكلام أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ياعزيز 658 مرة ونحوه مما أذنوا فيه، وزعموه أنه سنته صلى الله عليه وسلم، ولن يثبته حتى يلج الجمل في سم الخياط، وقد ادعى أنه أخذ من رأس الأمر!! نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
ثم أَتْبَعَ ذلك بدعوى أن هذا الذكر المكذوب -الذي لا وجود له البتة في كتب السنة- هو أفضل كيفيات الذكر!! اللهم رحماك.
ثم تجرأوا مرة أخرى على الشرع، وخدعوا السذج من المسلمين، وقالوا: إنهم نظروا في الأعداد التي شرعها الله تعالى فوجدوا أن لها سرا، مثل التسبيح دبر الصلاة 33 مرة، وسبحان الله وبحمده 100 مرة، وغيره، فنظروا وفكروا وتأملوا وفهموا سر هذه الأرقام!!
هذه الأرقام التي أوحاها الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي لم يبين في الشرع سر تحددها بذلك علموه هم!! في الوقت الذي غاب عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يسعوا حتى في البحث فيها، ولا في سرها، لكن هؤلاء النجباء وصلوا لسر الله تعالى فيها، فبدأوا على نظمها يضعون تلك الأرقام!!
فلو سئل أحدهم ما السر في العدد 33 دبر الصلاة، وما السر في عدد 25 أو 10 أو 11 ، فكل هذه أرقام وردت دبر الصلوات، فما جوابه؟
ولماذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا الله ... إلخ ثلاث مرات، وعشرًا دبرَ المغرب والفجر، فما وجه التفريق؟!.
ولماذا لم يشرعها أصلا دبر الصوم مثلا، أو في الحج في أي موضع، فكيف وقفوا على تلك الأسرار التشريعية؟!
وماذا لو علموا السر في عدد ركعات صلوات الفرائض، فهل القادم من صنيعهم "صلاة جديدة" بعدد ركعات، مادام قد علموا السر!!
وماذا لو فهموا السر في الأيام العشر من ذي الحجة، فما الجديد في الحج على أيديهم؟!
ولو علموا سر تحديد رمضان بالصوم من سائر الأشهر، فما الشهر الجديد الذي سيندب صومه على أيديهم؟!
إن هذا الدِّين يتحول ويتبدل على أيدي هؤلاء، بدعوى أن علماءهم وسادتهم علموا وفهموا ووصلوا لما لم يصل إليه حتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقارن أخي المسلم بين هذه الأقوال وما يقوله القساوسة في الكنيسة! نسأل الله تعالى السلامة من الخزي في الدنيا والآخرة.
ثم راحوا يخادعون السذج مرة تلو الأخرى، بقولهم المعتاد: "ثبت بالتجربة"!! فمثلا ياعزيز 658 مرة، ثبت بالتجربة أنها تفيد شيئا!!
وقد سألنا مرارا: ما آلية هذه التجربة، ونحن معكم نقيم التجربة، وسنأتي بأفراد عديدة عندهم مشاكل كبيرة، ويأخذون الإذن من حضراتكم لننظر عند الرقم الفلاني زالت الكربة، وانحلت المشكلة، وأنجبت العقيم، وبريء المريض!!!
وماذا لو انفرجت تلك الكربة عند رقم آخر، فهل سيكون هذا الرقم الجديد هو نجم المستقبل، وتقوم عليه التجارب، وتنفرج به الكربات؟!
وماذا لو وصلنا لرقم 658 أو 4444، ولم تزل الكربة، ولا انحلت المشكلة، فهل ستبطل تجربتكم، ويسقط رقم 658؟!
أخي المسلم: هل ترتضي لدينك دينِ محمد صلى الله عليه وسلم الأغر العظيم، الذي تعهد الله تعالى بحفظه أن يكون ألعوبةً بأيدي هؤلاء، فيثبت بتجربة فلان، ويسقط بتجربة فلان؟! فلا أظن مسلما يقبل هذا، ولا يرتضي لنفسه هذه المنزلة، فعلى كل مسلم أن يكون فطنا حريصا على حفظ تلك الشريعة وحراستها من أيدي هؤلاء، وألا ينطلي عليه خداعهم وغرائبهم.
ثم أتوجه إلى الأخوة ناشرين وقائلين هذا الأمر: أدعوكم ونفسي إلى التوبة إلى الله تعالى من كل ما يخالف دين محمد صلى الله عليه سلم أو يكون طريقا لتبديله، وأن نلزم جميعا هذا الدين الكريم، الذي أكمله الله تعالى وأتمه عليه، وارتضاه للأمة إلى يوم نلقاه، فما كان دينًا يومئذ فهو الدين، وما لم يكن فليس بدين، وما ازداد فاعل ذلك إلا بُعدًا من الله تعالى، ففي الحديث الصحيح: "بُعدا بُعدا لمن أحدث بعدي".
سائلا الله تعالى أن يبصِّرَنا بالحق، وأن يهدينا إليه، وأن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، ولزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بها ظاهرا وباطنا.
والله الهادي إلى سواء السبيل
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 29/10/1442هـ