خزانة الفتاوى / الطهارة / الجمع بين الوضوء والتيمم في طهارة واحدة

الجمع بين الوضوء والتيمم في طهارة واحدة

تاريخ النشر : 21 شعبان 1443 هـ - الموافق 25 مارس 2022 م | المشاهدات : 2530
مشاركة هذه المادة ×
"الجمع بين الوضوء والتيمم في طهارة واحدة"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 فإن المسلم قد يشق عليه استعمال الماء بالكلية، سواء في الحدث الأكبر أم الأصغر، لعدم وجود الماء، أو عدم القدرة عليه ونحوه، وحينئذ ينتقل إلى طهارة التراب، وهو التيمم، وهذا بالإجماع، ويصلي به، ثم إن كان عن حدث أكبر، وجب عليه الغسل، ولا يعيد ما صلى، وإن كان عن حدث أصغر، توضأ عند القدرة على الماء، لو أراد الصلاة، على ذلك دل القرآن والسنة.
وفي بعض الأحيان، قد يتعذر غَسْل موضعٍ معينٍ من البدن، في الحدث الأكبر، أو موضع من مواضع الوضوء في الحدث الأصغر.
وحينئذ يتعين عليه غسل ما استطاع غسله من بدنه أو الأعضاء، أما ذلك الموضع، فإن أمكن غَسْلُهُ، ولو برفق غَسَلَه، وإلا مسحه بماء، ولو كان مستورا، فإن تعذر الغَسْل أو المسح، فهل يتيمم عنه؟
تنازع أهل العلم في تلك المسألة -وهي الجمع بين الغَسْل والتيمم في طهارة واحدة- بناء على الحديث الوارد فيها، وهو حديث صاحب الشجة، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في الرَّجُل الذي شُجَّ، فاغتسل فمات، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما كان يكفيه أن يتيمَّم ويعصب على جرحه خرقةً، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود وغيره بسندٍ فيه ضعفٌ، وهو ضعيف عند كثير من أهل العلم، .
فذهب جماعة من أهل العلم إلى العمل بهذا الحديث بالرغم من ضعفه، وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة، وقالوا: يجمع بين الغسل والتيمم، فيغسل ما يقدر عليه، ثم يتيمم عما عجز عنه، معللين أن هذا أحوط وأصون لعبادته، وأنه بذلك اتقى الله تعالى ما استطاع.
وذهب آخرون إلى ترك العمل بهذا الحديث لشدة ضعفه، وأن الأصل أن الطهارة واحدة، إما غسل وإما تيمم، أما الجمع بينهما، فيفتقر إلى دليل، والدليل الوارد في ذلك ضعيف، كما تقدم، وهو المشهور من مذهب الحنفية والمالكية، فقالوا إن قدر على الماء استعمله، وترك الجزء الذي يعجز عنه، سيما إن كان يقدر على غسل نصف الأعضاء فأكثر، أما إن كان أقل من النصف، فيعدل إلى التيمم مباشرة، وهذا القول من حيث النظر قوي جدا، فإن الجمع بين الطهورين، وهما بدلٌ ومُبدَل منه، فإن هذا إحداثُ صفةٍ في عبادةٍ بغير دليل.
كما أن هذا العبد فعل ما يقوى عليه، وقد قال تعالى: (فاتقوا الله مااستطعتم) وقال: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وليس في الشرع ما يدل على الانتقال إلى التيمم إلا عند العجز التام عن الماء، وليس الجمع بين الماء والتراب.
ولا يَرِد علينا الجمع بين غَسْل الأعضاء في الوضوء، والمسح على الخفين أو الجوارب، فإن المسح على الخفين والجوارب ليس على وجه البدلية، إنما هو أصل مستقل بذاته، جاءت الشريعة بسنيته، لمن كانت قدماه مستورتين بساتر، فتلك الصفة -أعني الجمع بين الغَسْل والمسح على الخفاف- ثابتة بأصل الشرع، وليس على وجه البدلية، إنما على وجه الاستقلال.
ومن الصور التي يجمع فيها بين الماء والتيمم: إن كان الماء الموجود قليلا، لا يفي بالوضوء أو الغُسل، فلا يستوعب محل الفرض، فهل يتوضأ بالماء الموجود، ثم يتيمم عن الباقي، أو أنه ينتقل إلى التيمم مباشرة، ويترك الماء؟ قولان لأهل العلم.
فقيل: يتوضأ، فإن فرغ الماء تيمم عن الباقي، ويتأولون هذا القول بأن العبد مطالب أن يتقي الله مااستطاع، وحتى يتحقق فيه قوله تعالى: (ولم تجدوا ماء فتيمموا) وهو لا يُعَدُّ فاقدًا للماء إلا إن انتهى الماء تماما.
والقول الثاني: يتيمم مباشرة؛ لأن هذا غسل لا يستفيد منه شيئا، إذ لا معنى لغسل بعض أعضاء الوضوء، ثم التيمم عن الباقي، فالعبادة واحدة، لا تتجزأ بهذه الصورة، ولأنه لا يجمع بين البدل والمبدل منه، فإما غَسْل أو تيمم!
وقد اعتبر بعض الفقهاء هذا القول هو الأحوط، وعندي أن المسألة مترددة، وهي أقوى من المسألة السابقة في جواز الجمع بينهما احتياطا.
والخلاصة أن المواضع التي يجمع فيها بين الغسل والتيمم: 
الأول: إذا تعذر تماما غسل أو مسح جزء البدن أو عضو من أعضاء الوضوء، لا يمكن غسله أو مسحه بالماء، والجمع بينهما محل نظر وتردد.
والثاني: إن كان الماء قليلا، لا يستوعب الأعضاء في الوضوء أو الغسل، فيغسل ما يقدر عليه، حتى فراغ الماء تماما، ثم يتيمم عن الباقي، وهو أحوط.
والله تعالى أعلم 
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
5/8/1443هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف