الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن النهي عن صوم يوم الجمعة ليس مطلقا، إنما هو لمن اختصه بصوم من بين الأيام، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام .. الحديث) فالمنهي عنه تخصيصه، فإن صام الجمعة منفردا تعبُّدًا، فهذا يحرم.
أما إن صامه بغير هذا القصد، كأن وافق يومَ عرفة، أو العاشر من محرم، أو يوم قضاء بقي عليه من رمضان، ونحو ذلك، فلا بأس في ذلك، في قول جماهير أهل العلم، وقد جاء هذا صريحا أيضا في الحديث السابق: (إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ).
وأما البحث في العلة في تحريم إفراد الجمعة بصوم، فقد ذكر أهل العلم كثيرا من العلل والحِكَم لذلك، لكنها في الجملة لا تشفي عليلا، وليس بالمسلم حاجة لذلك أصلا، فالمسلم يذعن لحكم الله تعالى، عَلِم الحكمةَ أم لم يعلمها، ويستسلم لها بخضوع تام.
وصوم يوم عرفة لا يخفى على مسلم فضله، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صوم عرفة: أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده.
أما الحاجُّ، فلا يسن له على الأرجح صوم يوم عرفة، فقد أفطره النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أمِّ الفَضلِ بنت الحارِثِ رضي الله عنها أنَّها أرسلَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَدَحِ لَبَنٍ، وهو واقفٌ على بعيرِه بعَرفةَ، فشَرِبَ، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين أفطروه، وهذا أقوى.
على أنه قد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز صومه لمن قدر على ذلك، لكن الأرجح سنية الفطر هذا اليوم، فهو هدي سيد الخلق أجمعين، صلى الله عليه وسلم.
أما من فاته الوقوف بالنهار للزحام ونحوه، فهذا يسن له صومه، وهو المشهور من مذهب الشافعية.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في السادس من ذي الحجة، لعام ثلاثة وأربعين وأربعمائة وألف، من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم