الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن القضاء من الواجبات، فهو بدل عن صوم الفرض، فيأخذ بعض أحكامه، ومن ذلك الآتي:
أولا: لا يجوز قطعه والخروج منه، على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم هانيء رضي الله عنها: "أَكُنتِ تقضين شيئا؟ قالت: لا، قال: فلا يضرك أن كان تطوعا" فعلم أنه لو قطعت القضاء لضرها، ولا ضرر في هذا غير الإثم، ولأن القضاء بدل عن واجب، والبدل له حكم المبدل منه، فكما أنه لا يجوز قطع صوم رمضان، إلا من عذر، فكذلك القضاء.
ثانيا: يجب تبييت النية من الليل، ولا يجزيء من النهار، فهو صوم واجب، وليس نفلا، فيجب أن تستوعب النية اليوم كله، من قبل طلوع الفجر، إلى غروب الشمس. كما أنه لا يجزيء نية التتابع، فالأصل في القضاء عدم التتابع، وليس كرمضان، فتجزيء فيه نية التتابع، على قولٍ.
بل حتى القائلون بجواز نية التتابع في رمضان، ينفونها في القضاء، ويشترطون النية كل ليلة.
الثالث: يجب القضاء على كل من أفطر في رمضان، سواء لعذر كالمريض أو المسافر، أو الحائض والنفساء، أم لغير عذر، ويدخل في ذلك الحامل والمرضع، فيجب عليهما القضاء، ولا التفات إلى قول من قال: يكفيهما الفدية، فهذا خطأ محض، ونسبته إلى الصحابة رضي الله عنهم بهذا المعنى خطأ أيضا، فكل معذور زال عذره، فالواجب عليه القضاء، ما دام يقدر على الصوم.
ويدخل في ذلك من جامع في نهار رمضان، ولزمته الكفارة، فعليه قضاء اليوم أيضا.
الرابع: من عجز عن القضاء، لاستمرار عذره، كمريض استمر به المرض، أو حامل ومرضع أنهكهما الحمل والرضاع، وصارتا عاجزتين عن الصوم، فإنه لا يجب عليه الصوم، وينتقل إلى وجوبٍ آخرَ، وهو الفدية، وهي إطعام مسكين عن كل يوم أفطره، ولا يجزيء إخراجها نقدًا!!
وعلى هذا تحمل الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم في الحامل والمرض!!
الخامس: الواجب القضاء في العام الذي يلي رمضان الذي أفطر فيه، ولا يجوز التأخير عن ذلك، في قول الجمهور، ولا يلزمه شيء لو أخره، غير التوبة، وعدم العود لذلك.
السادس: لا يجوز القضاء في الأيام المنهي عن صومها، كأيام التشريق ويومي العيدين، والجمعة منفردا، لكن يستثنى الجمعة إن وافق اليوم الذي هو قبل رمضان، ولزمه الصوم، فلا بأس لو صامه إذن.
السابع: من مات وعليه قضاء، فله أحوال ثلاثة:
الأولى: أن يموت في رمضان، فلا شيء عليه، ولا على أوليائه (الورثة)، لعدم تمكُّنه من القضاء أصلا، فذمته بريئة.
الثانية: أن يموت بعد رمضان، لكن استمر به العذر، ولم يتمكن من القضاء أيضا، فلا شيء عليه، ولا على أوليائه.
الثالثة: أن يموت بعد رمضان، وقد تمكن من القضاء، لكن أخَّرَه، فيسن لأوليائه الصوم عنه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صوم، صام عنه وليه) وهو محمول على الاستحباب في قول الجمهور، أو يطعمون عن كل يوم أفطره مسكينا.
الثامن: يجوز الجمع في النية بين صوم القضاء، وبين كل صوم ليس مقصودا لذاته، كصوم الاثنين والخميس، وأيام البيض الثلاثة، وصوم يوم وإفطار يوم، وكصوم العشر من ذي الحجة.
ولا يحسن الجمع بين القضاء وبين ما كان مقصودا لذاته، كصوم عرفة، وهو مستثنى من العشر، وصوم عاشوراء، فيحسن تخصيص ذلك بنية، وإفراده بصوم، تحصيلا لأجره العظيم.
التاسع: جملة من الأحكام:
لا يشترط التتابع في صوم القضاء.
ومن جامع في القضاء، لا تلزمه الكفارة، لورودها في رمضان فقط.
ولا تستأذن المرأة زوجها لصوم القضاء إن تضايق الوقت بقدر القضاء.
ويصح التطوع قبل القضاء على الراجح من أقوال أهل العلم.
ويصح صوم السِّت، قبل القضاء أيضا، إن تعذر القضاء لطوله ونحوه.
هذا ما تيسر، والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 3/10/1443هـ