الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم دلت على أن مدة المسح للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، دل على ذلك حديث علي وصفوان وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين
واختُلف في بداية وقت المسح على الخفين، على أقوال خمسة:
الأول: من بداية اللبس، ولو لم يحدث، أو يمسح.
الثاني: من أول حدث، ولو لم يمسح.
الثالث: من أول مسح، ولو لم يتقدمه حدث.
الرابع: من أول مسح، بعد حدث.
الخامس: بعدد الصلوات، فالمقيم يمسح لخمس صلوات، والمسافر يمسح خمس عشرة صلاة.
المناقشة:
أما الأول والثاني: فلا دليل عليهما، فليس في شواهد النصوص ما يدل على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أقَّت المسح، ولم يؤقت اللبس، ولا اعتبر الحدثَ مناطَ الحكم، وأما قولهم: "فإنه بعد الحدثِ أُبيح له المسحُ، فتبدأ المدةُ بعد الحدثِ مباشرةً!!
فالجواب: أن كونه أبيح له المسح لا يعني أنه مَسَحَ، حتى يمسحَ فعلا، فإن مسح بدأت المدة.
والثالث: قول محتمل، فإن النصوص جاءت لتوقيت المسح، ولا شك أن من توضأ ومسح على خفيه، ولو بغير حدث، فالنص يحتمله.
والرابع: هو أرجحها، وهو أقوى من الثالث؛ لأن المسح لا يكون معتبرا مؤثرا في الحكم، حتى يسبقه حدث، فمتى سبقه الحدث، فإن مَسَحَ ارتفع حدثُه، وحصلت الطهارة، فكان هذا المسح مؤثرًا؛ لذلك كان هذا القولُ هو الأقوى.
الخامس: ضعيف جدا، أثرًا ونظرًا، أما الأثر، فليس في الأحاديث ما يدل عليه البتة، وأما النظر، فلأنه قد يفضي إلى المسح أكثر من يوم أو يومين للمقيم، فيما لو كان الشخص يحافظ على وضوئه لفترات طويلة، فقد يتوضأ لصلاة واحدة في اليوم الواحد، ويبقى على هذه الطهارة، ثم في اليوم التالي كذلك، وهكذا، فقد يستمر المقيم يمسح، لثلاثة أو أربعة أيام!! وهذا مخالف للتوقيت الشرعي المحفوظ.
فأرجح الأقوال: الثالث والرابع، وأقوى من الثالثِ الرابعُ، لكن لو احتاط مسلمٌ، واحتسب المدة من مجرَّد المسح، ولو لم يسبقه حدثٌ، كما هو القول الثالث، فله من الدليل حظٌّ.
والله تعالى أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 9/5/1444هـ