الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن إذن الزوج لزوجته في الصيام قسمان:
الأول: الإذن في صوم النفل: فالواجب عليها أن تستأذن زوجها لصوم النفل، ما دام حاضرًا، قادرا على الجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد، إلا بإذنه) ولا يُعرف مانعٌ من ذلك إلا من أجل الاستمتاع بها، إذ خدمتها لزوجها لا تعجز عنها مع الصوم غالبًا، كرمضان، فتوجَّه أن وجوب الإذن من أجل الاستمتاع.فإن كان الزوج مسافرًا أو كان حاضرًا عاجزًا لمرضٍ ونحوه عن الجماع، فلا يجب عليها الاستئذان.
تنبيه: فرق بعض الفقهاء بين الصوم المتكرر لها، كالاثنين والخميس وثلاثة الأيام من كل شهر، وبين الصوم القليل، كعَرَفة وعاشوراء، وأنها تستأذنه في المتكرر، ولا تستأذنه في غير المتكرر، والصواب أنها تستأذنه في كل صوم النفل، للحديث، إلا بالتفصيل السابق.
الثاني: الإذن في الصوم الواجب، وهو أقسام:
1- صوم القضاء: فإن الأظهر أن عليها أن تستأذن زوجها في القضاء، ما دام الوقت على السعة، على الأرجح من أقوال أهل العلم، فإن تضايق الوقت، فلم يبقَ قبل رمضان الآتي إلا بقدر ما عليها من أيام من رمضان ماضٍ، فإنه يجب عليها الصوم، سواء أذن الزوج أم لم يأذن.
2- صوم الكفارات المتتابعة: ككفارة الجماع في نهار رمضان، أو كفارة القتل، والتتابع في صومها واجب، فإن الواجب عليها استئذانه أول يوم فقط، ولا تستأذنه بقية الأيام، لكن تبيِّن له، أنها كفارة متتابعة، فإن أذن لها اليوم الأول، صامت، ولم يجز له أن يأمرها بإبطال الصوم؛ بعد إذنه!
3- صوم كفارة اليمين: كفارة اليمين، يسن فيها التتابع، فلا يشترط، فتستأذن المرأة لكل يوم من الثلاثة، فإن لم يأذن الزوج، وطال الفاصل بين اليمين، وبين التكفير بصوم ثلاثة أيام، فإنه يتعين أن تصوم تلك الثلاثة، ولو لم يأذن؛ لأن هذا حق الله تعالى، فيقدم على حق العبد.
4- صوم النذر: لو نذرت المرأة أن تصوم عشرة أيام، وهذا نذر طاعة، أي: الواجب الوفاء به، ففيه تفصيل:
فإن كانت استأذنت زوجها أن تنذر الصوم، وقَبِل، فإنه يجب عليها الوفاء به، ويجب عليه أن يأذن لها؛ لأن عدم إذنه يوقعها في الحرج الشرعي، وقد رضي هو النذرَ أولَ الأمر.
أما إن نذرت من نفسها الصوم، دون إخباره أو استئذانه، ثم أرادت الوفاء به، فيجب أن تستأذنه، فإن أذن فالحمد لله، وإن رفض، وطال الزمان، وعجزت تماما عن الصوم، لعدم إذنه، وجب عليها أن تكفر كفارة يمين، تتحلل به من نذرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين).
5- صومها لو كان الزوج صائما: ذهب البعض إلى جواز صوم المرأة مطلقا، ما دام أن زوجها صائم، فرضا كان أم نفلا!
والأرجح التفريق بين صومه نفلا، أو فرضا، فلو كان فرضا، فإنه تصوم، ولا تستأذنه، لأن الأصل أن يستمر الزوج في إتمام صومه، فلا يحتاجها.
أما لو كان صائما نفلا، فإن الواجب استئذانه؛ لأنه لا يبعد أن يُفطِر، ويطلبها للفراش، فإن وجدها صائمة، فقد يتحرَّج من أمرها بالفطر، فتمنعه حقَّه الشرعي، حيث صامت بغير إذنه، وهو رضي اضطرارا، وليس اختيارا، لذا يجب عليها أن تستأذنه في تلك الحال، ولو أفطر لم يحلَّ له أن يأمرها بالفطر.
مسائل:
* إن علمت الزوجة رضى الزوج مطلقا، بصومها، لعدم رغبته فيها، أو كونه لا يتضرر، فليس عليها أن تستأذنه، لكن لا بد من قطعها بذلك.
* لو صامت الزوجة، بغير إذن زوجها الواجب، على التفصيل السابق، فإنها تأثم بذلك، ويحتمل صحة الصوم، ويحتمل بطلانه، والبطلان أقرب؛ لأن القول بصحته، وقد خالفت هذه المرأة النهي، يعدُّ مضادةً لشرع الله تعالى.
* إن تلبست المرأة بالصوم بعد إذنه، سواء كان الصوم الواجب أم النفل، فإنه لا يجوز له مطالبتها بالفسخ، ولا تأثم أيضا لو خالفته، ولم تطعه.
* متى قلنا يجب أن يأذن الزوج في المسائل السابقة كلها، فهذا إن كان حاضرا، قادرا على الجماع، أما إن لم يكن الأمر كذلك، بأن كان غائبا لسفر ونحوه، أو عاجزا عن الجماع، أو غير راغب فيه، وعَلِمَ كلاهما ذلك، فلا يجب عليها الاستئذان، وتصوم متى شاءت، شرط ألا يخل بخدمتها في البيت.
والله تعالى ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في الثامن والعشرين من رمضان، لعام أربعة وأربعين وأربعمائة وألف من الهجرة.