الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الصغير له جملةٌ من الأحكام في الحج، منها:
- ابتداء: هل ينبغي لوليه الإحرامُ عنه أصلا؟ هذا الحكم منوط بالمشقة وقدرة الولي، فإن استطاع، فلا بأس، وهو مندوب، وفي الحديث: (ألهذا حج؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، ولك أجر)، فترتب الأجر يدل على ندبه، مع تجنيبه سائرَ محظوراتِ الإحرام، والتنبيه عليه في ذلك، من عدم جواز تغطية رأس، أو حلقه، أو الأخذ من ظفر وجلد، ووضع طيبٍ ونحوه.
أما إن علم أن الأمر يشقُّ عليه لزحامٍ وغيره، فلا ينبغي له الحجُّ به ابتداءً، وحتى لا يضطر لفسخ الحج، والوقوع في خلاف العلماء في هذه المسألة.
- النية للدخول في النسك، فإن عقلها الصغير أُمِر بها، وإن لم يعقِلها فإن وليَّه ينوِي له، وهو ظاهر حديث المرأة التي سألت عن حج الصبي، وفيه: (نعم، ولك أجر) ولم يستفصل منها عن إحرامه عن نفسه أو إحرامه له، وفي الأثر عن جابر رضي الله عنه: (حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا النُّفَساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) رواه ابن ماجه، وفي إسناده ضعف.
- هل يجوز للولي فسخ حج الصغير، بعد أن أحرم به؟ اختلف أهل العلم في تلك المسألة على قولين:
الأول: وجوب المضي في الحج، لعموم قوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).
الثاني: عدم وجوب المضي فيه، وهو المشهور من مذهب الأحناف، وهو الأرجح والمتماشي مع أصول الشرع، فالصغير غير مكلف، ولا ملزم بأحكام الشرع على وجه الوجوب، مع ما في هذا القول من التيسير، ورفع الحرج والمشقة عن الولي، سيما في هذا الزحام العظيم.
- النية للطواف والسعي، يفرَّقُ في ذلك -كما سبق- بين مَنْ يعقل النية، ومَنْ لا يعقلها، فإن عقلها الصبيُّ نوى، وطاف عن نفسه، ولو حمله وليُّه، ولا يضرُّ، وإن لم يعقلها نوى عنه وليُّه.
لكن الأولى في تلك الحال -إن لم يعقل الصغير النية- أن يطوف الوليُّ عن نفسه أولا، ثم يطوف عن الصغير، وكذلك السعي، فهذا هو الأحوط والأولى، حيث لا تقع العبادة الواحدة مجزئة عن اثنين في آنٍ واحدٍ.
وقيل: يجزئه أن يطوف طوافًا واحدًا بنيَّتَيْن، له وللصغير، استدلالا بحديث المرأة السابق، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بطوافين، عنها وعنه، والقول الأول أحوط.
- كيف يحمل الوليُّ الصغير، وهل يجب أن تكون الكعبةُ يسارَ الطائفِ المحمولِ؟ الأظهر أن الأمر في ذلك واسعٌ، وإن كان الأولى أن يجعل الكعبةَ عن يسار الصغير، حتى يوافق الصورة الصحيحة للطواف، فيحمله على أكتافه، أو يلزق ظهرَ الصغير بصدره.
فإن لم يتيسر له ذلك، فلا حرج، والأمر فيه سعة.
- يقوم الولي ببعض أعمال الحج عن الصغير، كالإحرام عنه، والرميِّ لصعوبته عليه، قال ابن المنذر: " كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرمي عن الصغير الذي لا يقدر على الرمي، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل ذلك".
فهما عملان اثنان ينوب الوليُّ عنه فيهما: الإحرام عنه، والرمي.
أما بقية أعمال الحج والعمرة، فإنه من الميسور أن يقوم بها، من طوافٍ وسعيٍ، ولو محمولا، ومبيتٍ بمِنى، ووقوفٍ بعرفة، ومبيتٍ بمزدلفة، ومبيتِ أيام التشريق في منى، فكل هذا لا يتكلف الصبيُّ فيه شيئا.
- لو ارتكب الصغير شيئا من محظورات الإحرام، فلا يضره شيء على الأرجح.
وقيل بالتفريق بين المميِّز وغيره، فإن كان غيرَ مميز، فلا شيء على وليِّه، وإن كان مميِّزًا فعلى وليه ضمان ذلك، ولا يظهر، والله أعلم .
- لو بلغ الصغير أثناء الحج، باحتلامٍ أو إتمامِ السنِّ أو نزول حيضٍ ونحوه، فله صور أربعة:
- أن يكون بلوغه قبل الوقوف بعرفة، فيصح الحج فرضًا، ويجزئه عن حجة الإسلام.
- أن يكون بعد مضي وقت الوقوف بعرفة، وهو بعد طلوع فجر يوم مزدلفة، فيتمَّه نفلا.
- أن يكون أثناء الوقوف في عرفة، فيتمه، ويكون فرضًا، ويجزئه عن حجة الإسلام، ولو لم ينوه الصغير.
- أن يكون بعد غروب شمس يوم عرفة، وقبل طلوع فجر يوم مزدلفة، فلو عاد ووقف بعرفة، ولو لحظة قبل طلوع الفجر، أتمَّ حجه فرضًا، ولو لم يعد أتمَّه نفلًا، والأولى به أو بوليِّه أن يعود به، حتى تجزئه عن حجة الإسلام.
*** ويُلحق بذلك ما يغيب عن كثيرٍ من الناس، أنه لو صلى الصغير فرضَ الوقت، ثم بلغ، قبل خروجِ وقتِ هذه الصلاة، فإن عليه إعادة الصلاة؛ فقد أصبح مطالَبًا بها على وجه الوجوب، بعد أن كُلِّف بالبلوغ، فيؤمر بالاغتسال، ثم الصلاة وجوبًا.
وكذا إن بلغت الفتاة بحيض في وقت الصلاة، فعليها قضاؤها بعد الطهر، كالكبيرة تماما، مادامت حاضت، وقد بقي من وقت الفريضة مقدار ركعة.
ثم إذا بلغ الصغير، بعد تلك الحجة، فإنها لا تجزئه عن حجة الإسلام، إنما يلزمه الحج بعد البلوغ، متى قدر عليه واستطاعه.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 2/11/1444هـ