الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فما رأيناه في الآونة الأخيرة من إهداءات للمدرس، حسن الخلق، المتفاني في عمله، حَسَنٌ في الجملة، لكنه في نفس الوقت يعرِّض الطالبَ والمدرسَ للوقوع في وعيد عظيم، فحتى لو حسنت النوايا، وكان هذا مقابل ما يقوم به المعلم من إتقان في عمله، فهو داخل لا محالة في هدايا العمال، والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالغلول، والغلول مطلق الخيانة، وقد قال تعالى: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) {آل عمران:161}، والآية في الغنيمة، لكن معناها عام في كل خيانة.
لذلك أوصي المعلم والطالب ونحوهما، ممن يصنعون هذا الصنيع بتركه بالكلية، وكلمة الوفاء والشكر له، والثناء عليه، بالحسنى تغني، ويحصل بها المقصود، وربما كانت أوقع في نفس المعلم أو الموظف الصالح.
ويستثنى من ذلك: ما إذا ترك المعلمُ أو الموظفُ المدرسة أو مكان العمل تمامًا، فلا بأس حينئذ من ذلك، لعدم التهمة، في المهدِي والمهدَى إليه، على أني أتحفظ -حتى على هذه الصورة- حتى لا تنتشر بين الناس، مع عدم الأخذ بالشرط المذكور، أو عدم علم الناس به.
ويستثنى من ذلك أيضا: ما لو استقال أو تقاعد المعلم أو الموظف بالكلية، فجَمَع له الطلبة أو الناس هدية، نظير ما قدمه من عمل، وكان حسن الخلق أمينا في ذلك، فلا بأس به.
تنبيه: ضابط التحريم في هذه المسألة: هو دفع الهدية للشخص من أجل مكانه في العمل، بمعنى أنه لو خرج من هذا العمل، فلن يتلفت إليه أحدٌ، ولن يَهدي إليه أحدٌ، بل كما قال صلى الله عليه وسلم: أفلا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، واللَّهِ لا يَأْخُذُ أحَدٌ مِنكُم شيئًا بغيرِ حَقِّهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ.
فمتى كان الأمر كذلك، فلا يجوز قبول الهدية، فكل هدية قدمت للشخص، لمكانه ووظيفته، لا لشخصه، فهي من هدايا العمال المحرمة.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 27/6/1446هـ