خزانة الفتاوى / عقيدة / ذمُّ التطيُّرِ والتشاؤم

ذمُّ التطيُّرِ والتشاؤم

تاريخ النشر : 26 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2819
مشاركة هذه المادة ×
"ذمُّ التطيُّرِ والتشاؤم"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
  فإن التطير شأنه عظيم، وهو من عمل الجاهلية؛ فهو سوء ظن بالله، وربط للأمور بغير أسبابها، والتطير من حيث الأصل هو التشاؤم بمرئيّ أو مسموع، كطير أو بقعةٍ أو اسم أو لفظ أو يوم ونحوه، وأصله من التطيّر بالسوانح والبوارح من الطّير والظِّباء، ثم غلب عليه اسم الطّير ، وتوسّع في مدلوله حتَّى أصبح اسمًا لكلّ تشاؤم، بقطع النّظر عن متعلّقه من طير أو غيره.
وهو محرم بالكتاب والسنة، فقد حكاه الله تعالى في كتابه على ألسنة الكفار، فقال تعالى: ( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) النَّمل - 47 ، وقال تعالى: ( فَإذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) الأعراف - 131 ، وقال تعالى: ( قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) يس : 18 - 19، فبيَّن الله في تلك الآيات الجليلة فساد الطِّيَرَة ؛ وأنّ اللَّه سبحانه لم يجعل لهم عليها علامة، ولا فيها دلالة، ولا نصبها سببًا لما يخافونه ويحذرونه؛ لتطمئن قلوبهم، ولتسكن نفوسهم إلى الله وحده سبحانه في جلب الخير أو الشر، أو دفعهما.
وروى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ)، فأبان هذا النص صريحا حكم الطِّيَرَة، وأنها شرك، فإن قام في قلب المتطير أن هذا الشئ يجلب الشر بنفسه، فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها مجرد سبب، فهو شرك أصغر، حيث لم يقم دليل من الشرع على كونه سببا له.
كما روى البخاريّ بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ).فنفى النبي صلى الله عليه وسلم الطيرة شرعا، بقوله: (لا طِيرة) أي لا اعتبار لها شرعا، ولا حقيقة أيضا.
وعن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُمُورًا كُنَّا نَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ كُنَّا نَأْتِي الْكُهَّانَ ؟ قَالَ : فَلاَ تَأْتُوا الْكُهَّانَ . قُلْتُ : كُنَّا نَتَطَيَّرُ ، قَالَ : ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ فِي نَفْسِهِ فَلاَ يَصُدَّنَّكُمْ )أخرجه مسلم.
قال ابن القيَّم رحمه الله: "أخبر أنّ تأذّيه وتشاؤمه بالتطيّر إنّما هو في نفسه وعقيدته، لا في المتطيّر به؛ فوَهْمُه وخوفه وإشراكه هو الَّذي يطيره ويصدّه لا ما رآه وسمعه؛ فأوضح صلى الله عليه وسلم لأمّته الأمر، وبيَّن لهم فساد الطِّيَرَة ".
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من تطير أو تُطير له .. ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم". أخرجه الطبراني والبزار
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاَ طِيَرَةَ ، والطِّيَرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّر ) أخرجه ابن حبان.
والنصوص في ذلك كثيرة جدا.
فيجب على المسلم أن يؤمن بأن كل شئ من خير أو شر، أو جدب وخصب، أو يمن وشؤم، أن كل هذا من عند اللّه تعالى، ولا يجوز ربط أي شئ إلا بما جعله الله تعالى سببًا له، ومعلومٌ أن الله تعالى لم يربط الخير بوجه فلان من الناس، أو برقم معين، أو يوم معين، ونحوه، مما يعتقده الجهال، فتجد الجاهل يتعلق بما لا مُتَعلَّق فيه، فإن الله تعالى بحكمته البالغة حينما يصيب العبدَ بالشر، إنما يصيبه به لحكمة عظيمة، كابتلائه، أو تكفير سيئاته، ونحوه من المعاني الجليلة، لا بوجه فلان، ولا يوم كذا، ولا رقم كذا، فهذا من الباطل، وهو طعن في الحكمة، ولا يعلم لا من قبل الشرع، ولا من قبل اللغة أن هذه الأشياء سبب لجلب الشر بنفسها، إنما هو محضُ وَهْمٍ من المتطير.
وللتطير في العصر الحديث صور كثيرة، منها:
- اعتقاد أن فلانا من الناس نحْس، أي يحصل عنده السوء بسبب وجهه، وهذا يكثر في الزوجة، فيعتقد أنه من يوم تزوجها وأحواله ساءت، فيقول هي نحْس، وهي من جلبت علي السوء، وهذا محض باطل.
- اعتقاد أن قلب النعال أو فتح المقص يجلب الشر والسوء.
- تشاؤم البعض من ثياب معينة، أو أشياء معينة، أو طريق معينة، أو شراء من محل معين، أو الذهاب لطبيب معين.
فالواجب على المسلم أن يمضي فيما يريد، ويحسن الظنَّ بالله، ويعلق قلبه به سبحانه وتعالى، في رجائه وتوكله وأمره كله، وإن خشي الشئ، فليسلك الطرق الشرعية، كالدعاء أو صلاة الاستخارة، ولا يتعلق بشئ من المخلوقات، ظنًّا منه أنها تجلب السوء، بغير دليل من الشرع، والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 23/12/1433هـ
 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف