تتبُّع رُخَصِ العُلَمَاءِ
ما المراد بتتبع رخص العلماء، وما حكم ذلك؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
عرف العلماء تتبع الرخص بأكثر من تعريف، فعرفه الزركشي بـ: أنه اختيارُ المرءِ من كل مذهب ما هو الأهون عليه، وعرفه
الدسوقي بـ : "رفع مشقة التكليف باتباع كل سهل"، وقيل غير ذلك، مما يدور على معنى البحث عن الأيسر في
المسائل الخلافية.
كما ذهب أكثر أهل العلم إلى تفسيق متتبع الرخص؛ لأنه متتبع لهواه، والله تعالى
أمر بالرد إلى كتابه العزيز، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{ فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:
59] ، ومتتبع الرخص ليس همَّه الدليلُ، ولا يبحث عنه، إنما يبحث في كل مسألة عما يتماشى
مع هواه، على سبيل التشهي، وهذا نوع من الاستهانة بالدين، كما يوجب الانسلاخ منه
شيئا فشيئا؛ لذا ذم العلماء تتبع الرخص.
قال الأوزاعي: " مَن تتبع الرخص تزندق" ، وقال الإمام أحمد
: "لو أن رجلاً عمل بكل رخصةٍ لكان فاسقاً"
، وقال سليمان التيمي: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرُّ كله".
وعن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال:" دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً
نظرت فيه، وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتجّ به كلٌ منهم لنفسه، فقلت
له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت: الأحاديث
على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر،
وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دِينه، فأمر المعتضد
فأحرق ذلك الكتاب".
فلا يجوز لمسلم أن يتتبع رخص العلماء، ويبحث في كل مذهب على ما يوافق
هواه ، بل يبحث عن الدليل، ويتبعه، فإن شق عليه فهم الدليل، اتبع الموثوقين من أهل
العلم، ثم ليعلم أنه لا بأس بالأخذ بالرخصة في موضعها، مالم يحصل مخالفة لدليل أو
إجماع.
والله الموفق
كتبه: د.
محمد بن موسى الدالي
في
15/3/1437هـ