المواد / المقالات / حكم تمثيل القصص القُرْآني

حكم تمثيل القصص القُرْآني

تاريخ النشر : 23 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1623
مشاركة هذه المادة ×
"حكم تمثيل القصص القُرْآني"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

حكم تمثيل القصص القُرْآني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فقد تقرر مرارا أنه لا يجوز تمثيل الأنبياء، ولا مسُّ جنابِهِم؛ لما لهم من عظيم المرتبة، ورفيع القدر، مما لا يفتح مجالا لتجسيد ذاتهم عبر أعمال تمثيلية، ومن المعلوم أن القصص القُرْآني أكثر ما يكون دائرا حول الأنبياء، فمِثْلُ هذا النوع من القصص لا يجوز إخراجه في أعمال تمثيلية بناء على ما تقرر.

أمَّا النوع الآخر من القصص، فهو الذي يتناول قصة أو أحداثا معينة يراد منها العبرة والعظة التذكر والتأمل في حكمة الله I وهذا النوع كثيرا أيضا في القُرْآن، كما ورد في قصة أصحاب الكهف، أو أصحاب الأخدود، أو أصحاب الجنة، أو ما وقع يعالج قضايا فردية، كالذي شكَّ في قدرة الله على البعث، فأماته الله مائة عام ثم بعثه، أو قصة قارون الذي بغى على قومه، وأوتي كنوزاً وأموالا عظيمة حتَّى خسف الله به الأرض، ونحو ذلك من القصص الهادف، والذي يمكن تمثيله دون المساس بجناب القُرْآن، ولا يعدو تمثيله حينئذٍ كونه تصويرا واقعيا لتلك القصة بصورة مرئية، ولعل أبرز قصة من هذا القصص قدمت للتَّمثيل: "مسرحية أهل الكهف" وذلك في عام1935م، ثم أعيدت في عام 1960م، وتعدُّ هذه المسرحية هي أول عمل مسرحي متكامل تناول قصةً قرآنيةً([1]).

بناء على ما تقرر من جواز التَّمثيل بشروط وضوابط، فإن هذا النوع من التَّمثيل جائز لا بأس به، إلا أن هذا مشروط بالآتي: -

أولا: الحرص على الدِّقة في جمع المعلومات والأخبار الواردة في تلك القصة، سواء في ذلك ما جاء النَّص عليه في القُرْآن، أو جاء في السنة، أو ما ورد عن الصَّحابة رضي الله عنهم .

ثانيا: تجنب التدخُّلات الفكرية أو الفلسفية أو الأدبية أثناء عرضها، وألا يخرج القائم على تلك الأعمال عما ورد، فيطلق لذهنه العنانَ في تخيُّل أحداثٍ طُوِيَ ذكرها في القصة لحِكَمٍ جليلة، كما فعل في قصة أصحاب الكهف، فلم يتعرض القُرْآن مثلا لتفصيلات عثور أهل المدينة على الفتية المؤمنين، وارتباطهم بأهل المدينة نسبا أو صهرا...إلخ، فإن هذا ليس في القُرْآن، فإظهاره من نسج الخيال، فعلى تقدير جواز ذلك في فنِّ الرِّواية، إلا أن الواجب في القصص القُرْآني الالتزام بما ورد، قال تعالى: ] لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون[َ(يوسف-111)وقال تعالى: ] إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ[(آل عمران-62).

ثالثا: التركيز على الجانب الوعظي أو الإرشادي الذي سيقت من أجله القصة، فلا ينبغي الحَيْدُ عن ذلك، فيَقْصِد إلى المراد أو الهدف مباشرة، فلا حاجة مثلا إلى إجراء بعض الإسقاطات السياسية أو الاجتـماعية التي لا تقدِّم ولا تؤخِّر، بل ربما كان في ذلك إثارة فتن.

رابعا: تجنب المُمثِّلين النطقَ بألفاظ الكفر، أو الطعنَ في الدِّين، أو سبّ الأنبياء، ونحو ذلك، كما تقرَّر مرارا، بل يُحكى حكاية، ويستغنى بذلك عن النطق به.       

خامسا: عرض عناصر القصة والحوار المعدِّ لها على جهة أو لجنة علمية شرعية للمراقبة، ووضع القيود واستبعاد ما يجب استبعاده، فتقوم تلك اللجان بمتابعة هذه الأعمال، فيكون في ذلك ضمان وكفالة لسلامة تلك القصة من التشويهات أو التَّزييفات التي قد تقع فيها .

سادسا: المقصود من عـرض هذا القصص القُرْآني الكريم هو تجسيد الفضائل والقدوات الصالحة، وإبراز مواقف العظة والعبرة بشكل مؤثِّر، فلابد من تناول هذه الأعمال بموضوعية جادة هادفة بعيدة عن التشدق والابتذال .

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 23/5/1426هـ

([1] ) المسرح الإسلامي(91)0

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف