الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فيما يتعلق باشتراط التقابض في بيع الربويات، والحكمة من ذلك، فإن هذه المسألة لم تعلل في النصوص، ولم أجد أحدا من أهل العلم ذكر لها ما يشفي الغليل، غير أني أرى هذا الشرط من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، خاصة فيما يتعلق بالنقدين الذهب والفضة دون ما سواهما، فلم يتضح لي فيها علة مناسبة للحكم.
واعلم أن اشتراط القبض وحصوله يوجِب انتقالَ المُلكِ في الحال في العِوَضين، بمعنى أن من اشترى ذهبا بفضة أو بذهب وحصل التقابض في المجلس، فقد انتقل الملك في العوضين، هذا مَلَكَ ما له، والثاني مَلَكَ ما له، وانتقال الملك يوجب انتقالَ الضمان أو الربح والخراج، بمعنى أنه بانتقال الملك ينتقل الضمان في حال التلف أو النقص للمالك، والزيادة والخراج له في حال الربح.
ثم لو تأملنا في حال الذهب والفضة عالميا لوجدنا أنهما أسرع الأشياء تأثرا واضطرابا من حيث الثمن، فهو متردد بين الزيادة والنقص لحظيًّا، فلو أنه باعه ذهبا بمائة ألف، وتأخر القبض، ثم زاد ثمن الذهب أو نقص، لتنازع الطرفان، وأفضى إلى خلاف كبير؛ إذ كل منهما يطلب الزيادة لنفسه، أو يدفع النقص عن نفسه، لكن الشارع بحكمته البالغة قطع هذا النزاع بهذا الشرط، وهو التقابض في مجلس البيع، الذي يُوجِب انتقالَ الملك، وبالتالي انتقالَ الضمانِ أو الربحِ لكل من الطرفين.
فإن قيل: يوجد أشياء كثيرة مضطربة في الثمن لحظيًّا، وعالميا، فلِمَ لا تأخذ حكمَ الذهبِ والفضةِ؟
فالجواب: أن الشارع قيَّد هذا بما يكثر استعماله وخوض الناس فيه، لذلك ذكر النقدين، وذكر من الأطعمة ما يوجد عند كل أحد،
لذا كان هذا الشرط من دلائل النبوة، إذ يستحيل في العادة لرجل عربي، لا يقرأ ولا يكتب، وفي تلك القرون أن يأتي بمثل هذه الأحكام المبهرة للعقل من نفسه، لكن بوحيٍ من الله تعالى، فصلِّ اللهم وسلم على خير خلقك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 7/2/1439هـ