المواد / المقالات / تغيير الخلقة يدور على أصلين في الشريعة.

تغيير الخلقة يدور على أصلين في الشريعة.

تاريخ النشر : 24 شوال 1445 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2083
مشاركة هذه المادة ×
"تغيير الخلقة يدور على أصلين في الشريعة."

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: تغيير الخلقة يدور على أصلين في الشريعة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن البعض يعتقد أن كل تغيير في الخلقة محرم، وأنه لا يجوز بحال، وهذا محض خطأ، ففي أدلة الشرع ما يبيح أن يقع التغيير، ولو في أصول الخلقة، وتحقيقا للمسألة، وتيسيرا على الناظر، فإن أدلة الشرع في هذا الباب تدور على أصلين عظيمين:

الأول: تحريم تغيير خلق الله، والتطاول عليه بالتبديل والتحويل، وهذا هو الأصل.

الثاني: جواز إجراء بعض التغييرات إذا كان من باب التداوي وإزالة العيب والضرر، وهذا بمثابة استثناء من الأصل الأول.

أدلة الأصل الأول، المحرِّمة لتغيير خلق الله، الموجِبة للعن فاعله، وخروجه من رحمة الله:

أولا: قال تعالى في الشيطان: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/117، 118 .

قال الشيخ السعدي في قوله: { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } هذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن.

وذلك يتضمن التسخط من خلقته، والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره. تفسير السعدي 1 / 203.

ثانيا: ما جاء في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ..الحديث.أخرجه البخاري ومسلم

ورواه النسائي بلفظ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ). أخرجه النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي .

قال النووي: " والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ... وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان , لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار , فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر , وتوهم كونها صغيرة , ويقال له أيضا الوشر , ومنه : (لعن الواشرة والمستوشرة) , وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث , ولأنه تغيير لخلق الله تعالى , ولأنه تزوير ولأنه تدليس .

وقال الحافظ ابن حجر: قَوْله : ( الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه ) هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج وكذا الوصل على إحدى الروايات " فتح الباري 17 / 33.

ونقل الحافظ عن الطبري قوله: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، التماساً للحسن لا للزوج ولا لغيره". فتح الباري 17 / 33.

وفي الصحيحين عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ رحمه الله قَالَ: ( قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ الزُّورَ) يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ .أخرجه البخاري ومسلم.

وأما أدلة الأصل الثاني، وهو جواز إجراء بعض الجراحات إذا كان من باب التداوي وإزالة العيب والضرر.

أولا: روى أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ رضي الله عنه قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ ?فضة- فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ.

وما رواه الإمام أحمد في المسند: " نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ ". وصححه الألباني في غاية المرام (74) .

وعند النسائي بسند صحيح : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشمة والموتشمة إلا من داء".

قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: ( إلا من داء ) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين، لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم ". نيل الأوطار6/229.

قال بدر الدين العيني رحمه الله: "ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج" عمدة القاري 20 / 193.

وقال النووي: وأما قوله: ( المتفلجات للحسن ) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن, أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس، والله أعلم".شرح النووي على مسلم 7 / 241.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 23/1/1431هـ

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف