المواد / المقالات / الاستخفاف بالقُرْآن وانتقاصه وسبُّه

الاستخفاف بالقُرْآن وانتقاصه وسبُّه

تاريخ النشر : 21 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1166
مشاركة هذه المادة ×
"الاستخفاف بالقُرْآن وانتقاصه وسبُّه"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

الاستخفاف بالقُرْآن وانتقاصه وسبُّه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن القرآن كلام الله I منه بدأ وإليه يعود، تكلَّم به الله قولا، وأنزله على رسولهr وحيا، نزل به الروح الأمين على قلب رسوله الكريم محمَّدrخاتم النبيين والمرسلين، قال الله تعالى: ]وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّه[[التوبة-6] وقال تعالى: ]يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ[[الفتح-15]وقال تعالى: ]وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرْآن لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ[[الإنعام ? 19]وقال: ]وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا[[الشورى ? 52]وفي الحديث: "فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه". أخرجه الترمذي (2926)، والبيهقي في شعب الإيمان2/ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال أبو عيسى الترمذي:حديث حسن غريب، والحديث ضعفه الحافظ في الفتح9/66، والألباني كما في السلسلة الضعيفة3/505 0

فهو تعالى لم يزل ولا يزال متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء.    وهذه المسألة أًصل كبير من أصول الدِّين، ضَلَّت فيه طوائفُ كثيرةٌ من المسلمين، انظر:شرح العقيدة الطـحاوية (168)، والإبانة عن أصول الديانة (72) وما بعدها، وشرح أصول الاعتقاد للالكائي (92) وما بعدها، ومعارج القبول1/219، والكواشف الجلية (364) وما بعدها .

فالقُرْآن كلام الله الذي هو صفة من صفاته، فلا يجوز تنقصه بوجه من الوجوه؛ لذا ذمَّ الله تعالى من قال: إنه قول البشر، وأوعده بسقر، فقال تعالى: ] سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27)لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28)لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(29)عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30)[[المدثر]لذا ذهب أهل العلم إلى تكفير القائل بكونه مخلوقا، حيث كان مكذِّبا لصريح القُرْآن والسُّنة، مخالفا لسلف الأمة، والكلام في صفة من صفاته كالكلام في ذاته، وقد تقرر كون سبّ الله تعالى كفرا، فكذا سبُّ صفة من صفاته؛ لذا جاءت عبارات العلماء في غاية التشديد في هذا الباب؛ توقيرا واحتراما لكتاب الله :

ففي الفتاوى البزازية في بيان الاستخفاف بالقُرْآن أو بعض آياته: "إن إدخال آية القُرْآن في المزاح والدعابة كفر؛ لأنه استخفاف به". الفتاوى البزازية مطبوع بهامش الفتاوى الهندية 6/338.

وفي الفتاوى العالمكيرية: "أو ملأ قدحا وجاء به وقال: وكأسا دهاقا، أو قال: فكانت سرابا، أو قال عند الكيل أو الوزن: وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، بطريق المزاح .. كفر في هذه الصور كلها". الفتاوى الهندية 2/288، ط/ دار الكتب العلمية0

قال ابن حجر الهيتمي في تعقيبه على من استعمل القُرْآن في غير ما وضع له: إن التكفير بذلك إنما يكون كفرا إذا فعله على وجه الاستخفاف والاستهزاء، بخلاف استعماله في ذلك لا بهذا القصد، لكن لا تبعد حرمته.الإعلام بقواطع الإسلام (58) 0

قلت: لا شكَّ أن القول بكفر من استعمل القُرْآن على نحو الصور السَّابقة-إن لم يكن على وجه الاستخفاف والاستهزاء-بعيد، سيما إذا كان قد استعمله لفصاحته، ولكونه أدلَّ على المقصود وأوضح، بل القول بالتحريم محل نظر،إلا إذا فعله على وجه التعبد فيحرم للبدعة، أما على غير هذا الوجه فكثيرا ما ينطق المتكلم ببعض الآيات أثناء كلامه ويضمِّنُها المعنى المراد، أما إن سيقت على وجه المزاح واللعب فهذا أجزم بتحريمه، وبكفر قائله مع الاستخفاف والاستهزاء .

جاء في شرح ألفاظ الكفر: "من استخفَّ بالقُرْآن أو المسجد أو بنحوهما مما يعظم في الشرع كفر، وقال بعد أن نقل جملة من هذه الأقوال: لأن المزاح بالكُفْر كُفْر؛ ووجه الكفر ظاهر؛ لأنه وضع القُرْآن موضع كلامه" . شرح ألفاظ الكفر (137،130) 0

        قال القاضي عياض: "واعلم أن من استخف بالقُرْآن، أو المصحـف، أو شيء منه أو سبَّهُما، أو جحده، أو حرفا منه أو آية منه أوكذب به .. فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال تعالى: ]لَا يَأْتِيهِ الْبَاطـِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[(فصلت-42) قال: وكذلك إن جحد التوارة والإنجيل وكتب الله المنزَّلة، أو كفر بها أو لعنها أو سبها واستخف بها فهو كافر". الشفاء بتعريف حقوق المصطفى (380،376) 0

وجاء في تبصرة الحكام: "من استخف بالقُرْآن أو بشيء منه أو جحده .. فهو كافر بالإجماع". تبصرة الحكام - مطبوع بحاشية فتح العلي المالك 2/287 .

قال ابن قدامة في سياق كلامه على كُفْر من سبّ الله تعالى، سواء كان مازحا أم جادا، قال: "وكذلك من استهزأ بالله تعالى أو بآياته أو برسله أو كتبه"( . المغني 12/299.

أدلة تحريم سبّ القُرْآن:

1-قوله تعالى: ]وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[( التوبة ? 66،65) وقد تقرَّر كون الفاعل لهذه الأعمال كافرا، وأنه يستوي فيه الجاد والهازل .

قال القاضي أبو بكر بن العربي: "لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جِدًّا أو هزلا, وهو كيفما كان كفر,فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو العلم والحق, والهزل أخو الباطل والجهل، قال علماؤنا: انظر إلى قوله: ]أَتتخِذُنا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بالله أنْ أَكونَ مِنَ الجاهِلينَ[ (البقرة: 67)". أحكام القُرْآن 2/501 0

2-قوله تعالى:] إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ(13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [ (الطارق-14،13) قال القرطبي: أي  ليس القُرْآن بالباطل والَّلعِب . تفسير القرطبي 20/11

        3-قوله تعالى: ]إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(26)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(27)لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28)لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(29)عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ(30)[(المدثر)فأوجب اللهIلقائل هذه المقالة، والتي مفادها كون القُرْآن من كلام البشر، أوجب له النار جزاء على قوله، ومقتضاه أن كلَّ قولٍ فيه تنقُّصٌ واستهانةٌ بكتاب الله يوجب هذه العقوبة لقائله؛ إذ موجب العقوبة واحد، وهو الاستهانة والتَّنقُّص لكلام الله .

4-قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[(الأحزاب-57)فالآية دالة على تحريم إيذاء الله ورسولهrوأن هذا موجب للعنة الله والإبعاد عن رحمته، ولا شك أن سبّ القُرْآن -ولو على وجه المزح والهزل- من أعظم ما يؤذي اللهIفيكون مُحرَّما موجبا لأن يلعن فاعله، معرِّضا إياه للعذاب المهين في الدنيا والآخرة .

كما يضاف إلى هذه النصوص كلُّ الآيات التي فيها كُفْرُ مَنْ حادَّ أو شاقَّ الله ورسولهrولا شكَّ أن سبّ القُرْآن من أعظم المحادَّة والمشاقَّة لله تعالى، ولو على وجه التَّمثيل والمزاح، وقد قال النبيr:"مَنْ لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله"([1]) فندب r المسلمين إلى قتل يهوديٍّ مع أنه كان معاهدا؛ لأنه آذى الله ورسولهr .

5-أن الساب قد أتى بلفظ الكفر ونطق به، وقد اتفقت كلمة العلـماء على أن من نطق بكلمة الكفر كَفَر، سواء كان جادًّا أو هازلا([2])، ولا عبرة باعتقاده ولو كان مطمئنا بالإيمان إلا في الإكراه أو الخطأ، فإذا ما نطق بكلمة الكفر ولو هازلا، وقع قصد الهزل مُهدَراً لعدم اعتبار الشرع له، ويبقى اللفظ مقتضيا لكفر قائله .

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 2/4/1428هـ



([1]) أخرجه البخاري في المغازي/باب قتل كعب بن الأشرف(4037)، و مسلم في الجهاد والسير/باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت (1801)عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما 0         

([2] ) انظر:ص(176)0

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف