خزانة الفتاوى / الصيام / لا يحل للحائض أن تصوم رمضان، وهي آثمة بصومها ذلك

لا يحل للحائض أن تصوم رمضان، وهي آثمة بصومها ذلك

تاريخ النشر : 19 شوال 1442 هـ - الموافق 31 مايو 2021 م | المشاهدات : 1205
مشاركة هذه المادة ×
"لا يحل للحائض أن تصوم رمضان، وهي آثمة بصومها ذلك"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 فقد انتشر في الآونة الأخيرة كلام لشخص جاهل، مفاده أن الحائض يحل لها صوم رمضان، ولا يجب عليها الفطر، وأنه لا دليل على تحريم الصوم عليها في رمضان!!.. إلخ من هذا الهراء، والله المستعان.
وأقول بداية لهذا الشخص: إنه عليك أنت أن تثبت أن الصحابيات رضي الله عنهن في عهد النبوة كن يصُمْن وهن حِيَّض!!فإن أثبتَ ذلك قامت حجته، وإن قصر عن إثبات ذلك، سقطت حجته.
وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته، وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وزوجاتهم، وكل الصحابيات في العهد النبوي يصمن، ولم ينقل البتة أنهن كن يصمن أثناء الحيض، لا في أثر صحيح، ولا ضعيف، ولا موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو بقي هذا الجاهل عُمُرَه كله ليثبت ذلك ما استطاع إليه سبيلا. 
وهو المطالبُ بإقامة الدليل على دعواه، وليس العكس.
ثم اعلم أن الإسلام رتب للحائض أحكاما خاصة جدا، وقد يكون ذلك مراعاةً لحالتها الصحية أثناء العبادة، مع كون هذا الأمر لا ينبغي أن يكون شاغلا للمسلم للبحث فيه، أو يكون الحامل عليه مجرد التشريع، وقصد الامتثال، وهذا هو الذي يجب على المسلم أن ينشغل به، ويلتزمه، على أن الله تعالى بين في كتابه العزيز أن الحيض أذى، فقد يكون هذا هو السبب الرئيسي في تلك التشريعات.
فمن ذلك: الصلاة، فإن الحائض لا تصلي، ويحرُم عليها ذلك، ولو صلت لأثِمَت، وكانت متعدية على الشرع.
ومن ذلك: الطواف، فهي ممنوعة من الطواف حول البيت، أثناء عمرتها أو حجها أو غيرهما، من نفل طواف.
ومن ذلك: تحريم جماعها.
ومن ذلك: طلاقها، فهو ممنوع.
ومن ذلك: أنه أوجب عليها غسلا، إن طهرت من حيضها.
والصوم كذلك منعت منه، وقد يكون أشد منعا.
فعلم من تلك الأصول أن الله تعالى في شريعته أنزل الحائض أحكاما خاصة بها، وهي الصلاة والصوم والطواف والجماع والطلاق، ووجوب الغسل عليها.
فإن كانت تمتنع عن الصلاة والطواف والجماع والطلاق، ويلزمها الغسل، فما الذي جعل الصومَ خاصةً مباحًا لها، مع تقرر الإجماع على تحريم الصوم عليها، وهو ما كان عليه سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابياته رضي الله عنهن، وهو عمل متواتر عن أعداد غفيرة من النساء في العهد النبوي، ومن ادَّعى خلاف ذلك، فعليه هو الدليل، ولن يجده حتى يلج الجَمَلُ في ثَمِّ الخياط.
أما من حيث الدليل الخاص في المسألة، فهو كالآتي: 
أولا: في الصحيحين عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟! فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.
فقولها: "مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟" صريح جدا في أن المتقرر أن النساء كن يفطرن من الحيض، ثم يطالبن بقضائه دون الصلاة، ففيه أنهن لا يصمن، ولا يصلين، لكن يطالبن بقضاء الصوم، وعدم قضاء الصلاة.
وقولها: "الحائض" عام في كل امرأة تحيض، ولم تقصد امرأة دون أخرى، مما يدل على عموم الحكم وتقرره في جميع النساء.
ثم في قول عائشة رضي الله عنها: "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ". دلالة صريحة أن هذا هو أمر الشارع، إذ لا يأمر في ذلك الحين إلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فيكون قضاءُ الصوم أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
وفي قول عائشة رضي الله عنها: "كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ" دليل أيضا على أن هذا أمر مستمر، يصيبنا دائما، فنؤمر بالقضاء، وليس لفترة من الزمن، ثم نسخ مثلا، أو هو فهم خاطيء منها رضي الله عنها، إنما جواب المُتَيَقِّن من الحكم، والمتقرر عنده. 
ثانيا:  في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيان قوله: (إنكن ناقصات عقل ودين)، قال: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)، قلن: بلى، قال: (فذلكن مِن نقصان عقلها)، أليس إذا حاضَت لم تُصلِّ ولم تَصُم؟ قلن: بلى، قال: (فذلكن مِن نقصان دينها).
فهذا الحديث يبين بكل وضوح أن المتقرر عند النساء في العهد في النبوي، هو عدم الصوم، وتحريمه على الحائض، فقوله: (أليس إذا حاضَت لم تُصلِّ ولم تَصُم؟) جاء على صيغة الأمر المنتهي، المستقر، ولو كان البعض يصوم وهن حيض، لما تقرر هذا الحكم عليهن بهذا الشكل، ولأنكرت تلك المرأة السائلة.
ثالثا: الإجماع بين علماء أمة الإسلام على مر الزمن، منذ ثبت هذا الحكم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا هذا، مرورا بالقرون الثلاثة الفاضلة.
قال ابن قدامة: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ، وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ، وَيَقْضِيَانِ،وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ".
وقال النووي رحمه الله: "هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَلا الصَّوْم فِي الْحَال، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلاة، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم".
وقد حكى هذا الإجماع الترمذي وابن المنذر وغيرهما كثيرا جدا.
فهل جَهِل هؤلاء جميعا هذا الحكم، وفيهم أئمة كالجبال في العلم والفهم واللغة ومقاصد الشرع، ودلالة النصوص على الأحكام، حتى جاء أحمق في هذا الزمان، قد لا يحسن الوضوء، لينبِّه على جهل أمة الإسلام هذا الحكم، تاريخَهَا كُلَّه؟!!
فهذه هي أدلة الإسلام المتقررة من السنة والإجماع الواضح الصريح، والعمل المتواتر من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا هذا، في أن الحائض لا يجوز لها الصوم، ولو صامت لأثمت، وأنه لا يجزئها الصوم بالإجماع، وعليها القضاء بالإجماع، ولا التفات لجاهل يهرف بما لا يعرف، فليس له من هذا الكلام إلا إضلال المسلمات، وإيقاعهن في المحظور، وإفساد عبادتهن، وإشغال ذمتهن، والإثم الباقي عليهن مادمن يخالفن الشريعة عمدا، ثم لا يقضين ما وجب عليهن من صوم عمدا، والله المستعان 
فإبراء للذمة، أقول لكل مسلمة أخذت بهذا القول: إنه عليك التوبة النصوح إلى الله تعالى من تلك المخالفة الصريحة للشريعة -وليس للموروث الديني كما يدندنون- إنما للشريعة ونصوص الشرع، ثم عليك قضاء تلك الأيام التي صمتيها، أثناء حيضك، ولن يعذرك في ذلك قصدٌ حسنٌ.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 5/10/1442هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف