الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فكثيرا ما تحاور بعضهم، وهو يردد تلك العبارة: "ليس كل ما لم يفعله النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يعدّ فعله بدعة...إلا إن عرفنا أنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم ترك ذلك الفعل قصدا و تعبّدا"!!
وهي عبارة ناشئة عن جهل عظيم، وعدم دراية بأبسط أصول الشرع في باب المتابعة، والاقتداء برسول صلى الله عليه وسلم، وهي كالعادة تفتح الباب لكل مبتدع أن يفعل في الدين ما يشاء، ثم يردد نفس العبارة، كما هو حالهم مع قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة)!! فأرادوا بها فتح باب البدع على مصراعيه، ولكل الناس، وعلى مر الزمان، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
وبيان بطلان تلك العبارة الجائرة، من وجوه:
الأول: أن الله تعالى إنما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس العبادة والشريعة الكاملة، فلم يكن عليه الصلاة والسلام معنيا ببيان اللغة العربية أو أمر الدنيا من صناعة أو زراعة أو تجارة ونحوه، إنما بيان الشريعة، فكل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو ما أراده الله تعالى من العباد شرعا، لا مزيد عليه، فإن استطاع العبد أن يحققه كما هو، فقد أتى بالمطلوب، وفق ما أراد الله تعالى، وعلى أكمل وجه، ومن قصر، فهو بحسب تقصيره، أما أن يزاد عليه، فهذا خروج عن الشرع، وتجاوز للحد.
الثاني: أن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم هو الصورة المثلى، التي أرادها الله تعالى للبشرية في باب العبادة، حتى قيام الساعة، فإنهم حققوا أعظم صورة في تاريخ البشرية في عبادة الله تعالى، على هدي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مجال لزيادة على ما قدموه في هذا الباب، فمن زعم أنه على خير، وهو على خلافهم، فهذا جاهل، لا يعي ما يظن أو يقول.فهذا أصلان، عض عليهما بالنواجذ.
الثالث: هذا القول: "ليس كل ما لم يفعله النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يعدّ فعله بدعة" مبني على عدم دراية ووعي لدور رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنْ عَلِم أن ما أراده الله تعالى في باب العبادة من عباده عَلَمَّه لرسوله صلى الله عليه وسلم، لعلم أن ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في باب العبادة، ليس مشروعا، ولا مأذونا فيه، ولعلم أن السنة والشريعة أن يأتي بما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يترك ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكرر، هذا خاص بالعبادات، فمصطلح "بدعة" لا يذم شرعا إلا في العبادات، إذ الوظيفة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي تعليم الناس الشريعة والعبادة.
الرابع: لو كان في الشريعة بقية ليقيمها الناس، لما كان لقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) أي فائدة أو محل، فالدين -على زعمه- مازال ناقصا، يتمُّه أفراده!!! نسأل الله تعالى السلامة العافية، فظن الناس أن ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ليس بدعة، هو اعتقاد أن هناك تتمة للدين، وعليه، فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولزمه أصحابه رضي الله عنهم هو عين ما أراده الله تعالى من العباد، لا ينبغي لمسلم التحول عنه ما أمكن، وفي المقابل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قام مقتضيه، وعُدِم المانعُ منه، ففِعْله عينُ البدعة، وهو متجاوزٌ لحدِّه مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نص الشاطبي رحمه الله تعالى على أن الترك منه صلى الله عليه وسلم، مع القدرة وقيام المُقْتضِي وانتفاءِ المانع نصٌّ منه صلى الله عليه وسلم على التَّرْك.
فالمتابعة في الفعل والترك، احفظ هذا الأصل، فالسنة فعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وترك ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 26/6/1444هـ