خزانة الفتاوى / عقيدة / حكم إظهار شعائر الكفر في دار الإسلام

حكم إظهار شعائر الكفر في دار الإسلام

تاريخ النشر : 25 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2101
مشاركة هذه المادة ×
"حكم إظهار شعائر الكفر في دار الإسلام"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: حكم إظهار شعائر الكفر في دار الإسلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإنه يكثر السؤال عما يجوز لغير المسلم إظهاره من المنكرات في دار الإسلام، من الأقوال والأفعال، وما يتعلق بدينهم وغيره، وجواب هذا يمكن أن يكون مناسبا لعصور تقدَّمت، أما وأن المسلمين عندهم من المنكرات الكثير، كان الواجب امتناعهم هم عنها أوَّلاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ومن باب تقرير الحكم أقول:

       اتفق أهل العلم على أن أهل الكتاب وغيرهم من غير المسلمين يُقَرُّون بدار الإسلام مقابل بذل الجزية مع وجوب انقيادهم لحكم الإسلام، في غير العبادات، من حقـوق الآدميين في المعاملات وغرامة المتلفات، وكذا ما يعتقدون تحريمه، كالزنا والسرقة دون ما لا يعتقدون تحريمه، كشرب الخمر ونكاح المجوس ونحو ذلك.بداية المجتهد 2/378، وتبيين الحقائق 4/157 0         

كما أنهم يمنعون من إسماع المسلمين شركاً، كقولهم: المسيح ابن الله، أو عزير ابن الله، وعلى هذا اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم، وبهذا جرت عبارات السلف والفقهاء:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أيما مصر مصَّرته العربُ فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا" . أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 6/467، وفي إسناده حنش بن المعتمر،اختُلف فيه،قال الحافظ:صدوق له أوهام ويرسل0تقريب التهذيب1/183 ،وضعفه الألباني كما في الإرواء5/104 0       

     وكتب عمر: "إن أحق الأصوات أن تخفض أصوات اليهود والنصارى في كنائسهم". عزاه ابن القيم إلى الخلال في الجامع،أحكام أهل الذمة 3/1237 ،وفي إسناده صفوان بن عمرو ضعيف،يرويه عن إسماعيل بن عياش وهو صدوق في روايته عن أهل بلده،مخلط في غيرهم0التقريب1/109 0

        وعن ميمون بن مِهْران قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أن يمنع النصارى في الشَّام أن يضربوا ناقوسا، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم.أخرجه عبد الرزاق في المصنف 6/61 ،وإسناده صحيح0          

وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الأصنام فإنه معبود النصارى، كما أن الأصنام معبود أربابها، ومن أجْلِ هذا يسمون عباد الصليب، ولا يمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها، ولا يتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها.

قال الشافعي: واشترط عليهم ألا يُسْمِعوا المسلمين شركَهم، ولا يسمعوهم ضرب ناقوس، فإن فعلوا ذلك عُزِّروا.أحكام أهل الذمة (460) 0         

قال ابن القيم: وقد أبطل اللهIبالأذان ناقوسَ النصارى، وبوقَ اليهود، فإنه-أي:الأذان- دعوةٌ إلى اللهIوتوحيده، وعبوديته، ورفعُ الصوت به إعلاءٌ لكلمة الإسلام، وإظهار لدعوة الحق، وإخماد لدعوة الكفر. مصدر سابق.

       وجاء في الفتاوى الهندية: عن محمَّد بن الحسن رحمه الله: كل شيء أمنع منه المسلم فإني أمنع منه المشرك، إلا الخمر والخنزير. الفتاوى الهندية 5/426.

       وهذا بناء على أنهم يستحلون ذلك، وهو أيضا مشروط بعدم إظهاره، فإن أظهروه منعوا منه؛ لأنهم إذا منعوا من إظهار أصل شركهم فهذا من توابعه، فلا يظهر حيث كان مُحرَّماً في الإسلام، وقد أخذت عليهم الشروط بذلك ، والمخزي أن أبناء الإسلام في تلك العصور هم من يظهرونه !!

وجاء في البحر الرائق: ما مَصَّره المسلمون منها كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط، فلا يجوز فيها إحداث بيعة ولا كنيسة ولا مجتمع لصلاتهم، ولا صومعة بإجماع العلماء، ولا يمكنون فيه من شرب الخمر واتخاذ الخنازير وضرب الناقوس. البحر الرائق 5/122،121، وانظر المبسوط 16/39 0         

وجاء في جواهر الإكليل: ويمنع من إظهار معتقده في المسيح أو غيره، مما لا ضرر

فيه على المسلمين، لا ما فيه ضرر عليهم، كتغيير معتـقدهم، فينتقض عهـده بإظهاره. جواهر الإكليل 1/268 .

وقال في فتح العلي المالك: يجب على مَنْ بَسَط الله تعالى يده بالحكم وولَّاه أمـر المسلمين وأهل الذمة أن يمنعهم من كلِّ ذِكْر، إذ فيه تعظيم لأعداء الله تعالى ورسوله والمسلمين، وإظهار لشوكتهم وتقوية لهم على المسلمين، وأن يُلزمَهم بإظهار كل ما فيه مذلَّةٌ لهم .. وإخفاء أفراحهم وأعيادهم وجنائزهم وعقائدهم وسائر أمور دينهم، وأجرُهُ في ذلك على الله .. والمسلمُ الذي يقصد تعظيم غير المسلمين، إن كان لغرضٍ دنيويٍّ فهو آثم فاسق تجب عليه التوبة فورا، وإن كان لرفع دينهم فهو مرتد يسـتتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل . فتح العلي المالك 1/393، وانظر:حاشية الخرشي، وحاشية العدوي 3/148 0

        وفي مغني المحتاج: ويمنع الكافر من إسماع المسلمين قولا شركا، كقولهم: الله ثالث ثلاثة، واعتقادهم في عُزيرَ والمسيح، ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس وعيد، ومن إظهار قراءتهم التوراة والإنجيل، ولو في كنائسهم، لما في ذلك من المفاسد وإظهار شعائر الكفر، فإن أظهروا شيئا من ذلك عُزِّروا . مغني المحتاج1/393، وانظر:شرح المحلي على منهاج الطالبين4/236، وحاشية الشرقاوي4/413، وحاشية عميرة4/236 0         

        قال البهوتي: ويمنعون من إظهار منكر كنكاح المحارم، ومن إظهار ضرب ناقوس، ورفع صوتهم بكتابهم أو صوتهم على ميت، وإظهار عيد وصليب . كشاف القناع3/133، وانظر:المغني 13/236، وشرح الزركشي3/229 0         

        وبذلك تبين أنه لا يجوز إقرار الكفار على إظهار شـعائر كفرهم والتصريح بذلك على الملأ؛ لأنهم إذا منعوا من لوازم دينهم كالضرب بالناقوس، وإعلان الصليب ورفعه، فلا شك أن رفع أصواتهم بشركهم كقولهم:  المسيح ابن الله، أو عزير ابن الله، أو إعلانهم سبهم اللهَ أو نبيَه أو دينَه أو كتابَه ونحوه مما ينتقض به عهدهم أشد وأولى بالمنع، ولا يعني هذا أن المنع خاصٌّ بهم فحسب، بل لا يجوز للمسلمين ممالأتُهم عليه، ولا مساعدتهم عليه، كما أنه لا يجوز الحضور معهم باتفاق أهل العلم، قال أبو القاسم الشافعي: ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم؛ لأنهم على منكر وزور، وجاء في تفسـير قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ[(الفرقان-72)أي: لا يمالِئون أهل الشـرك على شركهم ولا يخالطونهم.انظر تفسير ابن أبي حاتم8/2737 0         

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

5/7/1426هـ

 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف