مختصــر فـي فـقــــه الجـراحـــات التجميـليـــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه ما زال يستجد في حياة المسلمين من التطورات والإبداعات في سائر الميادين، ما يجعل العلماء والفقهاء في حاجة إلى تجديد النظر الفقهي، بما يتناسب وهذه النازلات، ولعل من أوسع تلك التطورات المستجدات الطبية العظيمة، ولعل أيضا من أهم هذه المستجدات الجراحات التجميلية التي طالت خلق الله تعالى بالتبديل والتغيير، ما بين مباح جائز، وحرام ممنوع، فكان حتما بيان حكم هذه الجراحات التجميلية في مطوية يسيرة، يسهل على كل قراءتها، مع تذييل تلك المطوية بتوجيهات ونصائح إلى الجراح المسلم الذي يقوم على هذه العمليات، من باب التعاون على البر والتقوى.
والجراحة التجميلية يعرفها أهل التخصص بأنها: جراحة تُجرى لتحسين منظر جزء من أجزاء الجسم الظاهرة، وقد تكون اختيارية أو ضرورية.
وقبل الشروع في بيان حكم الجراحات التجميلية على وجه التفصيل، يحسن أن نبدأ ببيان الجانب التأصيلي في هذا الباب:
تدور أدلة الشرع في هذا الباب على أصلين عظيمين:
الأول: تحريم تغيير خلق الله، والتطاول عليه بالتبديل والتحويل.
الثاني: جواز إجراء بعض الجراحات إذا كان من باب التداوي وإزالة العيب والضرر.
أدلة الأصل الأول، المحرِّمة لتغيير خلق الله، الموجِبة للعن فاعله، وخروجه من رحمة الله:
أولا: قال تعالى في الشيطان: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) النساء/117، 118 .
قال الشيخ السعدي في قوله: { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } هذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن.
وذلك يتضمن التسخط من خلقته، والقدح في حكمته، واعتقاد أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره. تفسير السعدي 1 / 203.
ثانيا: ما جاء في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ..الحديث.أخرجه البخاري ومسلم
ورواه النسائي بلفظ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ). أخرجه النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي .
قال النووي: " والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ... وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان , لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار , فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر , وتوهم كونها صغيرة , ويقال له أيضا الوشر , ومنه : ( لعن الواشرة والمستوشرة ) , وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث , ولأنه تغيير لخلق الله تعالى , ولأنه تزوير ولأنه تدليس .
وقال الحافظ ابن حجر: قَوْله : ( الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه ) هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج وكذا الوصل على إحدى الروايات " فتح الباري 17 / 33.
ونقل الحافظ عن الطبري قوله: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، التماساً للحسن لا للزوج ولا لغيره". فتح الباري 17 / 33.
وفي الصحيحين عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ رحمه الله قَالَ: ( قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ الزُّورَ) يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ .أخرجه البخاري ومسلم.
وأما أدلة الأصل الثاني، وهو جواز إجراء بعض الجراحات إذا كان من باب التداوي وإزالة العيب والضرر.
أولا: روى أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ رضي الله عنه قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ –فضة- فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ.
الثاني: ما رواه الإمام أحمد في المسند: " نَهَى عَنْ النَّامِصَةِ وَالْوَاشِرَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ إِلَّا مِنْ دَاءٍ ". وصححه الألباني في غاية المرام (74) .
وللنسائي بسند صحيح : "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشمة والموتشمة إلا من داء".
قال الشوكاني رحمه الله: " قوله: ( إلا من داء ) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين، لا لداء وعلة، فإنه ليس بمحرم ". نيل الأوطار6/229.
قال بدر الدين العيني : "ولا يمنع من الأدوية التي تزيل الكلف وتحسن الوجه للزوج" عمدة القاري 20 / 193.
وقال النووي: وأما قوله: ( المتفلجات للحسن ) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن , وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن, أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس، والله أعلم".شرح النووي على مسلم 7 / 241.
ضابط التغيير المحرم:
بناء على ما تقدم فإن النهي عن تغيير خلق الله ليس على عمومه، فعند النظر في جملة من الأحكام التي جاءت بها الشريعة يجد أنها لم تحرمه على وجه العموم، بل جاء في الشرع ما يفيد كون التغيير مطلبا من مطالب الشرع أو مسنونا أو مباحا غير محرم، وهذا يظهر جليا من خلال الصور الآتية :
-وسم الغنم في آذانها ووسم الإبل والدواب في أعناقها وأفخاذها، وإشعار الهدي،وخصاء مباح الأكل من الحيوان.
-بعض أمور من السنة، كخصال الفطرة : الختان وقص الأظافر وقص الشعر، وغير ذلك .
-العقوبات الشرعية كالحدود والقصاص، كقطع يد السارق، أو القصاص بالجاني، كقطع اليد أو الأنف أو فقأ العين أو كسر السن ونحوه، وهذا تغيير لا شك فيه، لكنه مطلوب للشرع. الجراحة التجميلية لصالح الفوزان(72) وما بعدها.
-في ألفاظ حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق: ( وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ) فدل على أن النهي إذا كان طلبا للحسن في خلقة معهودة-أي: الخلقة التي جرت السنة الكونية بمثلها-، فالتغيير للعلاج أو إزالة العيب جائز، وهذا مما يضيق دائرة التحريم في الحديث، بل قد قام الدليل الخاص على هذه المسألة بعينها.
الضابط العام للتغيير المحرم:
من خلال ما سبق يمكن صياغة الضابط العام للتغيير المحرم على هذا النحو: ( إحداث تغيير دائم في الخلقة المعهودة بغير مسوغ شرعي ).
وتقييد هذا الضابط بقولنا: ( في الخلقة المعهودة) دالٌّ على جواز التغيير إذا كان لإزالة العيب أو العلاج أو إزالة الضرر، إذ الخلقة في هذه الحال تكون على غير المعهود، فهذا نوع من ردِّها إلى ما كانت عليه، فليس فيه تغيير للخلقة، بل هو ردٌّ لما كانت عليه .
وتدل هذه العبارة أيضا على تحريم كل تغيير فُعِل طلبا للحسن؛ لأن الخلقة تكون معهودة ويقوم من يريد التحسين والتجميل بتعديلها وتغييرها حسب المعايير التي يريدها، فالكبير مثلا، المعهود أن يوجد بوجهه تجاعيد، فتغيير هذا محرم، لما فيه من تغيير الخلقة المعهودة، بخلاف ما إذا وجدت تلك التجاعيد بصبي صغير، فإن العادة والسنة الكونية لم تجرِ بهذا، فيكون علاج هذا من باب العلاج أو إزالة الضرر .
والعيوب التي توجد في الجسم على قسمين:
القسم الأول : عيوب خلقية، وهي العيوب التي يولد بها الإنسان، مثل الشق في الشفة العليا، والتصاق أصابع اليدين والرجلين، وانسداد فتحة الشرج.
القسم الثاني: عيوب طارئة، من جراء حادث أو مرض ونحوه، كالتشوهات الناشئة من الحوادث والحروق، ونحوه، ويلحق بها العيوب الناشئة عن تقدم السِّن.
وجراحة التجميل تنقسم من الناحية التطبيقية الطبية إلى قسمين:
القسم الأول: جراحة التجميل الحاجية، والمقصود ما كانت الحاجة داعية إلى فعله، إلا أنهم لا يفرقون فيها بين الحاجة التي بلغت مقام الاضطرار، والحاجة التي لم تبلغه، وهذا يشمل عددا من الجراحات، يقصد منها إزالة العيب، سواء كان في صورة نقص، أو تلف، أو تشوُّه، فهو ضروري أو حاجي بالنسبة لدواعيه الموجبة لفعله، وتجميلي بالنسبة لآثاره ونتائجه.
القسم الثاني: جراحة التجميل التحسينية، والمقصود بها جراحة تحسين المظهر، وتجديد الشباب، سواء كانت لتعديل الشكل، كتصغير الأنف، وتكبير الشفتين، وتصغير الثديين، ونحوه، أو ما يقصد منه إزالة آثار الكبر والشيخوخة، كشد جلد الوجه واليد، وإزالة الانتفاخ الزائد في الحاجين نتيجة لتقدم السن.
الحكم الشرعي:
بناء على ما تقدم فإن ما كان من باب إزالة الضرر، والعيب، وردِّ الخلقة إلى ما كانت عليه، فإن هذا النوع يجوز، وذلك للآتي:
أولا: أن هذا النوع من الجراحة قام الدليل على جوازه كما تقدم في التأصيل.
ثانيا: أن هذا النوع لا يشتمل على تغيير الخلقة قصدا، لأن القصد منه إزالة الضرر والتجميل والحسن جاء تبعا.
ثالثا: أن إزالة التشوهات والعيوب الطارئة لا يمكن أن يصدق عليه أنه تغيير لخلقة الله؛ وذلك لأن خلقة العضو هي المقصودة من فعل الجراحة، وليس المقصود إزالتها.
أما ما كان من باب التجميل والتحسين المحض، والذي ليس فيه إزالة عيب أو ضرر، فإن هذا النوع من الجراحة لا يشتمل على دوافع ضرورية ولا حاجية، بل غاية ما فيه تغيير خلقة الله، والعبث بها حسب أهواء الناس وشهواتهم، فهو غير مشروع؛ لما فيه من تغيير خلق الله، وعدم الرضا بقضاء الله.
وعليه فالقاعدة في هذا الباب: أن ما كان من باب إزالة الضرر، ورفع العيب، والعلاج من داء، فإن هذا النوع من الجراحات التجميلية جائز، وما كان تحسينيا محضا، وليس له داعٍ، فإنه لا يجوز؛ لما فيه من تغيير لخلق الله.
الجانبي التطبيقي:
لعمليات الجراحة التجميلية تدخل كبير في كثير من أعضاء الجسم، وطردا وتطبيقا للقاعدة السابقة، فإننا نذكر أكثر هذه العمليات تطبيقا، وأكثر ما ترد الأسئلة عنه:
أولا: الوجه وأعضاؤه:
الشعر: تختلف العمليات التجميلية بالنسبة للشعر اختلافا كبيرا، بين زراعة، وإزالة، والإزالة تختلف، ما بين إزالة بالليزر، وإزالة بالضوء، أو بالكيماويات، أو بالتحليل الكهربائي، ويختلف الحكم بحسب الموضع، بين ما يحرم إزالته أصلا كاللحية والحاجبين، وبين ما يُسنُّ كالإبط والعانة، وبين ما يباح كبقية أماكن الجسم، فيباح استعمال هذه الطرق في إزالة الشعر في المواضع التي يسن أو يباح إزالته منها، باستثناء العانة، لما يترتب عليه من كشف العورة، مع إمكان إزالة الشعر منها بالطرق التقليدية، ويحرم استعمال هذه الطرق في إزالة اللحية أو الشارب أو الحاجبين، إلا ما كان مشوِّها في وجه المرأة، فيجوز لها إزالة شعر الشارب واللحية وما زاد من الحاجبين، وكان مشوِّها، بشرط أن يقوم بهذه العمليات للمرأة امرأة، أما استعمال هذه الطرق في إزالة شعر الوجه أو الحاجبين من باب التزيين المحض، فإنه لا يجوز؛ لمشابهته للنمص المحرم.
أما الزراعة، فإنه تجرى بعض عمليات زرع الشعر في حال الصلع وسقوط شعر الرأس والحاجبين والأهداب واللحية والشارب، وربما مناطق أخرى من الجسم، وتزرع من شعر الشخص نفسه، والصحيح جوازه؛ لكونه من باب إزالة العيب، وهو ليس من الوصل، كما رأى بعضهم، للفرق العظيم بينه وبين الوصل.
والقول بجواز زراعة الشعر مقيَّد بما إذا كان يقصد بها إزالة العيب وردّ ما خلقه الله تعالى، فإنه يجوز، ويتأكد الجواز في جانب النساء، أما لو كان المقصود بالزراعة طلب الحسن والتجمل وليس هناك عيب، كأن يكون شعر الرأس حسناً وكثيفاً، لكن يريد بزراعة الشعر أن يكون شعره أكثر حسناً وغزارة، فالأقرب أنه لا يجوز زراعة الشعر فـي هذه الحال.
الخدود: العملية المعتاد إجراؤه في الخدود هي حقنها بالدهون، أو الكولاجين، أو البوتوكس، أو الغورتكس أو الأرتيكول، وهذا كله محرم، لما فيه من تغيير خلقة الله، باستثناء ما إذا كانت الوجه نحيفا جدا، خارجا عن المعتاد، بحيث تتأذى به المرأة، أو كان سببا لنفرة زوجها منها، فالأظهر أنه لا بأس به في هذه الحال، بشرط أمن السلامة في المواد المستعملة في الحقن؛ إذ يكون بذلك من باب إزالة العيب، والعلاج.
الشفة: لعل من أشهر عمليات الشفة عملية الحقن، كما تقدم في الخدين، فهذا العمل لا يجوز، فهو تحسيني محض، ليس له أي داع، أما إذا كانت العملية لوجود شقٍّ بالشفة، كما يوجد فيما يسمى بالشفة الأرنبية، فإن هذا من العمليات الجائزة بغير خلاف، وسواء كان بأصل الخلقة، أم من جرّاء حادث ونحوه.
الأنف: العمليات الجراحية التي تجرى للأنف إما أن تكون تحسينية محضة، مع كونها معتادة، فهذه لا تجوز، وإما أن تكون لعيب بها،ككِبَر زائد، أو اعوجاج كبير غير مألوف، يوقع صاحبه في حرج، فهذا النوع لا بأس به، لكونه من باب إزالة العيب.
الذقن: عملية الذقن تختلف، فإن كان تعديلا لشكلها، مع كونها معتادة، فإنه لا يجوز، وما كان من باب إزالة العيب، وفي الغالب لا يوجد في الذقن ما يوجب علاجه أو إزالة ضرره، بل غالب ما يتعريه مقبول ومعهود.
العيون: الجراحة في العيون تختلف، فتارة تكون تجميلية محضة، كمن يريد توسعة العينين مع كونهما طبيعيتين، أو تكونا غائرتين، أو جاحظتين، مع كونهما معهودتين، أو تكون العملية لرفع الحواجب والجفون الناتج عن تقدم في السن، ونحوه، فهذا لا يجوز، لما فيه من تغيير لخلق الله، ما لم تكن مؤثرة على الرؤية، فإن أثَّرت على الرؤية فإنه يجوز.
وأما ما كان من باب إزالة العيب، كعلاج الحَوَل، والعَوَر، وإزالةِ بعض البُقَع، أو كان زرع لعين صناعية بعد حادث، فإن هذا كله جائز؛ لأنه من باب إزالة العيب والتداوي.
ومن الأمور التي تذكر في العيون تركيب العدسات الملونة، وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة، والأقرب أنه يجوز ، وليس هو من تغيير الخلقة المحرم لكونه غير دائم، إلا أن الجواز مشروط بأمن الفتنة، وعدم التضرر، وعدم التدليس، وعدم الإسراف، وعدم التشبه بالحيوان.
الحواجب: العمليات التي تجرى في الحواجب، إما أن تكون عملية ترقيق وإزالة دائمة بالليزر أو بالضوء، مع كون خلقتها معتادة، فهذا لا يجوز لما تقدم، ولأنه داخل في معنى النمص المحرم، فإن كانت الحواجب كثيفة بحيث تخرج عن المعتاد، وتتأذى المرأة بها جدا في المجتمعات، فالأظهر جواز إجراء تلك العمليات، ويكون هذا من باب إزالة العيب، بشرط ألا يكون بالنمص، ولا يجوز هذا العمل للرجال مطلقا.
ومن العمليات إزالة الانتفاخ الذي يكون تحت الحواجب عند الكبر، وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز؛ لأنه من المعتاد في كبير السن هذا الشكل، بخلاف ما إذا كان هذا في حديث السِّن فإنه يجوز.
الأسنان: عمليات الأسنان التجميلية كثيرة جدا، بين زراعة وتقويم وتلبيس وحشو وتسوية وتبييض، وطردا للقاعدة السابقة في هذه المسألة، فما كان من باب التحسين المحض فإنه لا يجوز، وما كان من باب إزالة العيب فإنه يجوز، فتجوز تسوية الأسنان إذا خرجت عن الخلقة المعهودة، ويجوز حشوُها وتلبيسها وتبييضها، وزرعها عند عدم وجودها، ومما يؤيد الجواز أن الحاجة إلى أسنان سليمة حتمية، ولذلك فالأظهر جواز هذه العمليات حتى لكبير السن.
الأذن: في بعض الأحيان تكون الأذن على غير المعهود من الخلقة، فإذا أراد أن يجري عملية جراحية لردها للمعتاد فيها، فلا بأس بذلك، أما مجرد تحسينها، وهي على هيئة معتادة فإنه لا يجوز.
شد تجاعيد الوجه: لا يقدم في الغالب على شد تجاعيد الوجه إلا من كان مُسِنًّا، وهي معتادة في هذه الفترة من العمر؛ لذا كان الصحيح عدم جواز هذه العملية؛ لما فيها من تغيير لخلقة الله، ولما في ذلك من عدم رضا بسنة الله الكونية في البشر، أما إن كان هذا ناتجا عن أسباب أخرى، كالتعرُّض الطويل لأشعة الشمس، والإفراط في استعمال مساحيق التجميل، أو نتيجة الاضطرابات النفسية، أو من جراء بعض الأمراض، وكانت بمثابة العيب، فالصحيح الجواز.
تقشير الوجه: : التقشير أنواع، منه: السطحي، والمتوسط، والعميق، ومنها الكيميائي، والتقشير بالصنفرة، وبالليزر، فهذا إن كان من باب التجمل والتزين، فهو لا يجوز لورود النهي عنه، ولعن فاعله، وإن كان من باب إزالة العيب، كالكَلَف والبقع التي تكون في الوجه، فلا بأس به، وهذا بالنسبة للنساء.
أما الرجال، فإن كان كبيرا في السن، وظهور مثل هذه الأشياء في وجهه أمر معتاد، فالأظهر تحريمه، أما إن كان في سن صغيرة، بحيث يكون ظهور هذه الأشياء في وجهه غير معتاد، فإنه يجوز؛ لأنه من باب إزالة العيب.
ثانيا: بقية أعضاء البدن:
الثديان: العمليات التي تجرى في الثديين تدور في الغالب بين تكبيره وتصغيره، ففي حال تكبيره تكون عن طريق حقنه بالسيليكون السائل أو الصلب(الجل) ونحوه، فإن كانت العملية لكونه صغيرا، بحيث ينفر الزوج من زوجته، وينصرف عنها، فالصحيح جوازه، وهو من باب إزالة العيب، وإن كان طبيعيا، وإنما أجريت العملية من باب التحسين المحض، فإنه لا يجوز، وأما في حال ما إذا كان الثدي كبيرا، وتجرى العملية لتصغيره، فإن كان كبيرا لدرجة إجهاد العنق والعمود الفقري والكتفين، ونحوه، أو كان كبيرا بحيث يخرج عن المعتاد، فالأظهر جواز هذه العملية، أما إن كان معتادا، وإنما أجريت العملية طلبا في زيادة الحسن، فإنه يحرم.
شفط دهون البطن والأرداف والذراعين ونحوه: تختلف الأماكن التي تجتمع فيها الدهون، وتكثر جدا الدهون في البطن، وفي الغالب تسبب آلاما في الظهر والمفاصل، فالعملية في هذا النوع تجوز؛ لأنها من باب إزالة العيب، والعلاج والتداوي، وكذلك إذا كانت الدهون في مكان غير البطن، كالأرداف، وأعلى الذراعين، ويسبب حرجا وتعبا وثقلا في الحركة، أما إن كانت العملية لمجرد تحسين الشكل وتناسقه، فالأظهر التحريم، لاشتمال العملية على جملة مفاسد شرعية، دون حاجة أو ضرورة ملجئة لها.
تكبير الأعضاء: يعاني بعض النساء من نحافة واضحة في الساق أو الأرداف، مما قد يكون ناتجا عن مرض، كما هو الحال فيمن يصاب بشلل الأطفال، وقد يكون لضعف البنية، وهذا في الغالب يسبب لهن حرجا نفسيا، ففي مثل هذه الأحوال فإنه يجوز إجراء العملية، أما إن كانت لمجرد تحسين القوام، مع كونه طبيعيا، فإنه لا يجوز.
تطويل القامة: قصر القامة تختلف أسبابه، وتختلف أحواله، فقد يصل بالشخص إلى حد أن يكون قزما، وفي الغالب يكون ناتجا عن تشوهات في العظام، وقد يكون مقبولا معهودا، فما خرج بالشخص عن المعهود، فلا بأس بإجراء عملية تجميلية لتطويل القامة؛ لأنه من باب إزالة العيب، وأما إن كان مقبولا، وإنما يطلب الحسن والجمال بزيادة الطول، فإنه لا يجوز؛ لما فيه من عبث بخلق الله تعالى، ولما فيه من تعدٍّ على حرمة بدن المعصوم بغير داعٍ.
ثالثا: علاج الجلد:
-البهاق: تجرى عدة عمليات جراحية لعلاج البهاق، وذلك إما بحقن الأماكن المصابة بالبهاق بصبغيات تعيد لون البشرة، أو يجرى للمكان عملية ترقيع جلدي من جلد نفس المصاب، وفي كل الأحوال هو من باب العلاج وإزالة العيب، فيجوز.
أما إذا أراد الشخص أن يجري عملية حقن صبغة لتغيير لون البشرة، مع سلامتها، وعدم إصابتها، فإن هذا لا يجوز لما فيه من تغيير لخلق الله.
-إزالة الوشمات والوحْمات والصبغات والشامات: الغالب على هذا النوع من الجراحات التجميلية أنها تجرى من باب العلاج وإزالة العيب، وهو عمل جائز.
-الترقيع الجلدي: في الغالب تجرى عمليات الترقيع الجلدي عندما يوجد تشوهات في الجلد، إما خلقية أو طارئة، والصحيح جواز ذلك؛ لأنه من باب إزالة العيب.
رابعا: إزالة العيوب الخلقية والطارئة:
-الحروق والتشوُّهات: يجوز إجراء عملية جراحية لإزالة الحروق والتشوهات الناتجة عن حادث ونحوه، وكذلك التشوهات الخلقية، والتي يولد بها الإنسان.
-التصاق الأصابع: يجوز إجراء عملية لتحسين وضع الأصابع إذا كانت ملتصقة، سواء كانت باليد أو بالرجل، وهو من باب إزالة العيب.
-إزالة الأصابع الزائدة: يجوز إجراء عملية إزالة الأصابع الزائدة من اليد أو من الرجل، وهو من باب إزالة العيب.
كما يدخل في ذلك إزالة أي دمامة تسبب للشخص أذى نفسيا أو عضويا، فكل ما كان من جنس إزالة العيب، أو العلاج، فإنه جائز.
خامسا: إعادة الأعضاء المقطوعة:
الأعضاء المقطوعة في حادث: هذه المسألة من المسائل الخلافية، والصحيح جواز إجراء عملية إعادة العضو المقطوع في حادث، عملا بقاعدة: (ما أبين من حي فهو كميتته)، وهو أيضا جار على قاعدة إزالة العيب، ولا شك أن قطع عضو من الأعضاء من أكبر العيوب، بل أن قطع العضو يعتبر مثلة وتشويها بالغا.
الأعضاء المقطوعة حدا: الصحيح في هذه المسألة أنه لا يجوز إعادة العضو المقطوع في حدٍّ، كحد السرقة أو الحرابة؛ إذ هذا هو الذي يحقق مقصود الشارع، من النكال، وحصول العظة والعبرة برؤيته مقطوعا، وفي إعادة العضو تفويت لهذه الحكمة، وافتيات على حكم الشرع، فلا يجوز الإقدام على إجراء عملية إعادة العضو المقطوع حدا.
الأعضاء المقطوعة قصاصا: القصاص فريضة عادلة، أوجبها الله تعالى حفظا للنفس، وما دونها، فإذا جنى شخص على آخر، بأن قطع منه عضوا، فإنه يعاقب بالقصاص في ذلك العضو بقطعه، وقد اختلف العلماء في إعادة العضو المقطوع قصاصا، والمختار جوازه بشرط إذن المجني عليه، وبهذا الشرط تتحقق مصلحة كبيرة، قد تكون للطرفين جميعا: الجاني، والمجني عليه.
كلمة وتوجيه لأطباء الجراحة التجميلية:
وفي الأخير نتوجه بالكلمة إلى أطباء الجراحة التجميلية، نوصيهم أن يتقوا الله في عملهم، وأن يطلبوا الرزق الحلال الطيب، فإنه ما نبت جسد من سحت، إلا كانت النار أولى به، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ)أخرجه البخاري ومسلم، فلا ينبغي للمسلم أن يسعى لطلب الرزق بأي طريق، ولو كان محرما، بل الواجب عليه أن يتحرى الحلال، ويسعى إليه، تاركا الدنيا خلف ظهره، مستغنيا بما أحله الله عما حرَّمه، وفيما أحله الله في هذا الباب غُنية عما حرَّمه.
دراسة هذا العلم:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "أما بالنسبة للطالب الذي يقرر علم جراحة التجميل ضمن مناهج دراسته فلا حرج عليه أن يتعلمه، ولكن لا ينفذه في الحالات المحرمة، بل ينصح من يطلب ذلك بتجنبه؛ لأنه حرام، وربما لو جاءت النصيحة على لسان طبيب كانت أوقع في أنفس الناس".ا.هـ. فتاوى إسلامية (4/412).
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 10/6/1431هـ