المواد / المقالات / نوازل الطهارة

نوازل الطهارة

تاريخ النشر : 13 جمادى آخر 1440 هـ - الموافق 19 فبراير 2019 م | المشاهدات : 3725
مشاركة هذه المادة ×
"نوازل الطهارة "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
*نوازل الطهارة (بسم الله الرحمن الرحيم *الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. فإن الله تعالى امتنَّ على عباده بأعظم مِنَّة، أن أرسل فيهم رسوله الكريم محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بتلك الشريعة الغرَّاء، التي لم تترك بابا ينفع العباد إلا طرقته، وكان من أعظم ما اهتم به الشرع الكريم باب الطهارة، حتى جُعلت الطهارة شرطا لأهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة، فلا تقبل صلاة عبد بغير طهور، وهذا من واسع فضل الله ورحمته، أن أوجب عليهم ما يعود عليهم بالنفع، ويدفع عنهم الضرر، ولما كانت الطهارة كغيرها، وقع فيها من المستجدات والنوازل، ما يحتاج إلى إزالة الإلباس عنه، عمدت أمانةُ موقع الفقه الإسلامي إلى جمع أهم تلك النوازل والمستجدات، وبيان أحكامها في هذه المطوية؛ مستنيرةً ومسترشدةً بما كُتب ودُوِّن فيها، راجين من الله تعالى السداد والتوفيق، وأن ينفع بهذا العمل الإسلام والمسلمين، وكانت تلك النوازل على النحو الآتي: نوازل المياه: الماء المتغير لونه بصدأ ونحوه: في كثير من الأحوال يتغير لون الماء بسبب مروره بالمواسير القديمة، أو التي تحمل صدأ، أو بسبب طول بقائه ببعض الأواني التي تحفظه، كالخزانات والقدور، فيميل لونه إلى الحمرة، أو الماء المتغير بالصابون، أو الشامبو، أو الذي تغير لونه بالصبغات ونحوه، فتغير الماء لا يخلو من أحوال: - أن يكون التغير بشئ نجس، فالماء نجس باتفاق العلماء، فلا يرفع به حدث، ولا يزال به خبث. - أن يكون التغير بشئ طاهر، لكن لا ينفك عنه الماء، كالتغير بالتراب، أو أوراق الشجر، أو يتغير بالمكث طويلا، فهذا طاهر مطهر باتفاق أهل العلم، إلا إن خرج عن مائيته، كأن صار طينا مثلا، ويدخل في هذا التغير بالصدأ؛ لأن الماء لا ينفك عنه، ما لم يخرج به عن مسمى الماء مطلقا. - أن يكون التغير بشئ ينفك عنه الماء، كالتغير بالشاي أو الصابون والشامبو ونحوه، فإن سُلب عنه اسم الماء المطلق، فهذا لا يحصل به التطهر، أما إن بقي على مسماه فهو طاهر مطهر. تنقية مياه الصرف الصحي: المراد بمياه الصرف الصحي المياه الناتجة عن استخدام الإنسان للماء، في الغسيل والتنظيف والتطهر ونحو ذلك، ولتنقية هذا الماء يمر بمراحل كبيرة تضمن سلامته ونظافته تماما، حتى ذكر أهل التخصص أن الماء يعود إلى حالته الطبيعية بعد هذه المعالجات، والحكم في هذه المسألة مبني على خلاف الفقهاء في مسألة الاستحالة، وقد ترجح القول بأن الاستحالة مؤثرة في الطهارة والنجاسة، وأن العين تستحيل من طاهرة إلى نجسة، وبالعكس، كما هو اختيار جمع من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وحينئذ فلا بأس باستعماله في الطهارة والشرب والتطهر، وفي سقي المزارع، وتغذية المياه الجوفية ..إلخ، وبه صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية، وقرار المجمع الفقهي في هيئة رابطة العالم الإسلامي. أما إن كان قبل تمام طهارته، وهو ما كان في المرحلة الثنائية من المعالجة، فإنه لا يجوز استعماله في الأكل أو الشرب أو التطهر، ويترجح جواز سقي المزروعات والأشجار به، ويستثنى من ذلك سقي المتنزهات والحدائق العامة التي يرد الناس إليها، فلا يجوز السقي به؛ لما فيه من إيذاء لهم، وقد قال تعالى: ] وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً [ الأحزاب-58، وهو من جنس التغوُّط والتبوُّل في طريق الناس وظلِّهم. نوازل الآنية: استعمال الآنية المطلية أو المموهة بالذهب والفضة: المتقرِّر في الشرع أنه لا يجوز استعمال الآنية المصنوعة من الذهب والفضة في أي وجهٍ من وجوه الاستعمال، وقد حُكي الإجماع على ذلك، حكاه في التمهيد والمغني والمجموع، وغيرها، فلا يجوز استعمال تلك الآنية في الأكل أو الشرب، كما لا يجوز استعمال المبخرة أو الدلَّة أو نحوه مما كان مصنوعا منهما، كما ألحق أهل العلم بها في الحكم الآنيةَ المطلية المموَّهة بالذهب والفضة، فلا يجوز استعمالها بأي وجهٍ من وجوه الاستعمال. نوازل الوضوء: الأدوية والمعقمات والعطور المشتملة على الكحول: الأدوية والمعقمات والعطور المشتملة على الكحول ينبني الحكم فيها على الخلاف في نجاسة الخمر، والأرجح القول بأن الخمر طاهرة حسًّا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وعليه فيجوز استعمالها في ظاهر البدن، كالتخدير والتعطر ونحوه. أما إن كان في علاج يأكله المريض أو يشربه أو يحقن في الوريد، فإن كان الكحول يسيرا، لا يظهر أثره فلا حرج في استعماله، وإن كان كثيرا، بحيث يؤثر على عقل متعاطي هذا العلاج حرم. وقد جاء في قرار المجمع الفقهي: "للمريض تناول الأدوية المشتملة على نسبة من الكحول إذا لم يتيسر دواءٌ خالٍ منها، ووصف ذلك طبيبٌ ثقةٌ أمينٌ في مهنته". البوية والمناكير والشمع والصمغ والطامس: في كثير من الأحيان يوجد على بعض مواضع الوضوء ما يمنع وصول الماء إليه، كالبوية أو طلاء الأظافر أو الشمع أو عجين أو مواد جافة ونحوه، والصحيح في هذه المسألة أن كل ما له جرم، ويمنع من وصول الماء إلى تلك المواضع، فإن الواجب إزالته، ويبطل الوضوء أو الغسل في حال وجوده، أو اكتشافه بعد الوضوء أو الغسل، فتجب الإعادة، وإن كان قد صلى به وجب إعادة تلك الصلوات، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء، فقد اتفقوا على أن من شروط صحة الوضوء إزالةَ ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، فقد قال تعالى: ‌] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ .. الآية[ المائدة-6، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا في رجله قدر يسير لم يصبه الماء، فقال: (ويل للأعقاب من النار) أخرجه البخاري ومسلم، ويستثنى من ذلك اليسير الذي يشق إزالته، فإنه يعفى عنه؛ دفعا للحرج والمشقة. استعمال المناديل أو الفرشة والمعجون بدلا عن السواك: رغب الشارع الكريم في السواك، ووردت السنة باستحبابه في مواضع عدة، عند الصلاة، وعند دخول المسجد، وعند القيام من الليل، وغيره، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، غير أن هذا الحكم لا ينبغي أن يقف عند عود الأراك، بل إنه متى حصل هذا التنظف والتطهر بأي أداة أخرى، من منديل أو الفرشاة والمعجون أو غيره، مما يزيل الوسخ ويدلك الأسنان، فإنه بقدر ما يحصل من الإنقاء بقدر ما يصيب من السُّنة، وقد أتى بما حث عليه الشرع من الاستياك؛ ذلك أن السَّوْك في اللغة هو الدلك، وهذا ليس قاصرا على عود الأراك فحسب، قال الرافعي:" أصل السنة تتأدى بكل خشن يصلح لإزالة القلح، كالخرقة والخشبة ونحوها" فتح العزيز 1/370، كما عرَّف الفقهاء السواك بأنه: "استعمال عود ونحوه في الأسنان وما حولها لإزالة صفرةٍ وتغيُّرٍ ونحوهما" هذا مع كون الأفضل قطعا هو عود الأراك، ليسر وسهولة حمله، فيمكن استعماله في كل مكان، كما أنه يشتمل على فوائد طبية عديدة، كاشتماله على مواد مضادة للتعفُّنات، ومواد تساعد على قتل الجراثيم، حتى ذكر بعضهم أنه يحتوي على ما يزيد على عشرين مادة لها فوائد متنوعة. الأعضاء والأطراف الصناعية: وفي هذا الموضوع مسألتان: المسألة الأولى: طهارة تلك الأعضاء من نجاستها: فإن كان العضو منقولا من الشخص المصاب نفسه إليه، فهو طاهر بالاتفاق، وكذلك إن نقل من شخص آخر، وسواء كان الشخص الآخر مسلما أم كافرا على القول بطهارة الكافر، كما هو مذهب الجمهور، وسواء كان الشخص المنقول منه حيًّا، أو ميِّتًا، وسواء كان العضو المنقول عضوا من الأعضاء البارزة أم عظما أم جلدا أم شعرا، فإن القول بالطهارة في تلك الأحوال هو الصحيح، وعليه فإن وضوء هذا الشخص صحيح، لطهارة تلك الأعضاء على النحو السابق، وتصح صلاته. أما إن النقل من حيوان، فإن كان من حيوان طاهر، كحيوانات البحر، والحيوانات المذكاة، فلا أثر لذلك على الطهارة والصلاة، وهو باتفاق العلماء، وإن كان من حيوان نجس، كالكلب والميتة في قول الجمهور، أو محرم كالخنزير والسباع، فإنه لا يجوز أصلا تركيب الأعضاء من هذه الأشياء لنجاستها، وحرمتها. المسألة الثانية: هل يجب نزع تلك الأعضاء عند التطهر أم لا؟ الكلام فيما يمكن نزعه، كذراعٍ أو قَدَمٍ أو كفٍّ، ونحوه، فإن كان ساترا لمحل فرض الوضوء، أو جزءٍ منه، فإن تيسر نزعه فالواجب نزعه عند إرادة الوضوء، وإن تعذر مسح عليه. تركيبة الأسنان: المترجح من أقوال أهل العلم أن المضمضة والاستنشاق واجبان من واجبات الوضوء والغسل، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، فإذا كان في الفم تركيبة أسنان، فإن الصحيح أنه لا يُلزم بإزالتها عند الوضوء أو الغسل، وقد نص على هذا جمع من الفقهاء، ويستدل له بحديث عرفجة بن أسعد رضي الله عنه حينما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب" أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح، ولم يكن ينزعها للوضوء، كما أن الإنسان قد يلبس الخاتم، وهو في بعض الأحيان يمنع وصول الماء إلى الأصبع، ولم يقم من دليل الشرع ما يأمر بنزعه أو تحريكه، مما يدل على أن هذا مما يعفى عنه. تركيبة الأظافر الصناعية: بداية الأظهر من أقوال أهل العلم تحريم تركيب الأظافر الصناعية؛ وذلك لأن الشارع الحكيم بين أن قصَّ الأظافر من الفطرة، والفطرة كما قال أهل العلم : السنن القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع،ولأن فيه تشبُّهًا بالحيوان، وقد تقرَّر النهي عن ذلك، أما الحكم فيها، فكما تقدَّم فيما يمنع وصول الماء إلى البشرة، أن الواجب إزالتها، ولا يصح معها وضوء ولا غسل، ومن فعل فعليه إعادة الغسل والوضوء، وإعادة ما صلى من صلوات. أصباغ الشعر: أصباغ الشعر في الغالب تكون مجرد لون فقط، ولا تكوِّن طبقةً أو جرمًا فوق الشعر، فلا تمنع وصول الماء إلى الشعر، وبالتالي يصح الوضوء والغسل معها، أما إن كان لها طبقة وجرم بحيث يمنع وصول الماء إلى الشعر، ففي هذه الحال لا يصح معها الوضوء أو الغسل، والواجب إزالتها، وإلا بطل الغسل والوضوء، كما تقدم. الرموش الصناعية: اختلف أهل العلم في حكم وضع الرموش الصناعية، والأحوط عدم وضعها حيث منعها جمع كبير من أهل العلم، لشبهة كونها من الوصل المحرم، أما حكم الوضوء أو الغسل مع هذه الرموش، فلا بد بدايةً من معرفة طبيعة تلك الرموش، فهي عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من المواد البلاستيكية تلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة توضع على طرف الرمش الأعلى، ولها فتحات من جهة الأسفل لا تمنع من وصول الماء إلى داخل الشعيرات ( الأهداب )، كما أنها بملاقاتها الماء تتحلل، وبناء على ذلك فإنها عند وجودها، لا تؤثر على صحة الوضوء أو الغسل؛ لأنها لا تمنع من وصول الماء. ومثل ذلك ما يوجد في بعض مشابك للنساء حيث يوجد فيها شعر, فهذا لا يؤثر؛ لأنه لا يحول دون وصول الماء، كذلك أيضاً بعض النساء تحشو شعرها بشعر آخر فمن جهة الوضوء والغسل لا يؤثر، لكن تبقى في هذه الحال واصلةً داخلةً في لعن الواصلة والمستوصلة. الدهونات والكريمات والمساحيق: غالبا ما تكون الدهون والكريمات والمساحيق التي تستعمل مجرد لون أو مادة غير مانعة من وصول الماء إلى البشرة، فلا تؤثر تلك المواد في صحة الوضوء أو الغسل، أما إن كانت ذات جرم أو مادة شمعية أو دهنية سميكة أو طبقة عازلة ونحوه، بحيث تمنع وصول الماء إلى البشرة، ففي هذه الحال لا يصح الوضوء أو الغسل معها، وعلى من وضعها إزالتها، وإن كان قد تَطَهَّر مع وجودها، فلابد من إعادة الوضوء أو الغسل، ثم إعادة ما صلى من صلوات. أما إن كانت تلك الصبغات على الشعر كالتشقير أو الميش ونحوه، فإنه يصح الوضوء معها ولو كانت ذات جرم، وكذا الغسل كما هو ظاهر السنة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبَّد شعره وهو محرم، كما في الصحيحين، وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم محرما قرابة خمسة عشر يوما، والتلبيد هو وضع مادة أشبه بالصمغ على الرأس، وهذا قطعا حائلا دون وصول الماء، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ، ويمسح على رأسه على هذه الحال، ويصلي الصلوات، كما أنه قطعا كان يغتسل. القَسْطَرة والشَّرْج الصناعي: القسطرة: هي أن يوضع للمريض في مجرى البول قِسْطار ( ماسور بلاستيكي ) يسبب إخراج البول دون إرادة المريض، ويتجمع هذا البول في كيس، ويكون معلقاً في المكان الذي ينام فيه المريض, إما لعدم قدرة المريض على التبوُّل الطبيعي، أو مشقة الذهاب لقضاء الحاجة، ونحوه. أما الشَّرج الصناعي: فهو أن بعض الناس يبتلى بسرطان القُولون، بحيث لا يتمكن من أن يتبرز تبرُّزاً طبيعياً، أو أن المريض يكون فيه تشوهات خَلْقية لا يتمكن من أن يتبرز تبرُّزًا طبيعياً، فيعمد الطبيب إلى أن يفتح في جدار البطن فتحةً, يسهل منها خروج البراز دون إرادة المريض عن طريق أنبوب, ويكون هناك علبة يتجمع فيها هذا البراز، تزال بين فترة وأخرى. والكلام في أثر هذين الأمرين على طهارة المريض، ومن ثمَّ صلاتِهِ مبنيٌّ على مسألة من به حَدَثٌ دائمٌ، والراجح فيمن كان حاله كذلك أنه يتوضأ إذا أراد الصلاة، ولا يضرُّه ما خرج أثناء الصلاة، ثم إذا دخل وقت صلاة أخرى, فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، والأقرب أنه يتوضأ لتلك الصلاة، ثم لا يضره أيضا ما خرج أثناءها؛ لأن غايته أن يقال: هو معذور أثناء الصلاة فقط، ولا سبيل له لمنع هذا الخارج أثناء الصلاة، أما إذا انقضت الصلاة، فقد زال العذر، وطولب مرة ثانية بالوضوء للفريضة التالية لانتقاض وضوئه بدخول وقت تلك الصلاة، وهو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله فيمن به سلس البول، والشيخ ابن عثيمين، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة رقم (7011). غسيل الكلى: ينقسم الغسيل الكلوي إلى قسمين: القسم الأول: الغسيل الدموي: وهو الذي يكثر في وقتنا الحاضر، وفيه يقوم المعالِج بسحب دم المريض عن طريق إبرة توضع في أحد الأوردة، ثم بعد ذلك يمرُّ هذا الدم من الجهاز الذي يقوم بعمل الكلية الطبيعية، فيقوم بتنظيف الدم من السموم والفضلات السائلة، والأملاح الزائدة، ويضاف إلى هذا الجهاز أثناء عمله شيء من الأدوية والعلاجات والأغذية التي يحتاجها المريض، ويكون هذا العمل ثلاث مرات أو أربع مرات في الأسبوع، وتقدر كل جلسة بما يقرب من ثلاث أو أربع ساعات على حسب حاجة المريض، ثم بعد ذلك يعاد هذا الدم إلى البدن مرة أخرى بعد تنقيته، والخلاف في هذه المسألة هو في نقض الوضوء بغسيل الكلى على النحو السابق، وقد اختلف أهل العلم في نقض الوضوء بخروج الدم، والقول الراجح هو عدم النقض به، كما هو المشهور من مذهب المالكية والشافعية، واختاره شيخ الإسلام، ومن المعاصرين الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله؛ لأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل على ذلك، ولا دليل صحيح ينهض للقول بنقض الوضوء بخروج الدم، كما ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يصلي في جراحته، والله أعلم. القسم الثاني: الغسيل البروتيني: وهو عبارة عن أنبوب يوضع في جوف المريض، بين السُّرَّة والعانة، ويعطى المريض بعض السوائل والأدوية الخاصة التي تساعد الجسم على التخلص من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، ثم بعد ذلك تجتمع هذه السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة في هذا الأنبوب، ما يقرب من ثماني ساعات، ثم بعد اجتماعها يقوم المريض بتفريغ هذا الأنبوب في كيس خارجي، ثم بعد ذلك يبعث بهذا الكيس ويؤتى بكيس آخر .. إلخ، وهذه الطريقة يستعملها المريض قرابة ثلاث مرات يوميا على حسب حاجته. وقد ذكر البعض أن هذا النوع من الغسيل البروتوني في الغالب يغني عن التبول الطبيعي، وهذا من الناحية الفقهية فيه حكمُ خروجِ البول من مخرج غير المعتاد، ولعلَّ الأحوط في ذلك أنه ناقض للوضوء، فيعامل معاملة الخارج من المخرج المعتاد، إلا إذا كان مستمرا، فإن المريض في هذه الحال يأخذ حكم من به سلس البول، فيتوضأ بعد دخول الوقت، ويصلي، ولا يضره ما خرج أثناء الصلاة، ثم إذا دخل وقت الصلاة الثانية توضأ، وهكذا. نوازل المسح: المسح على الجزمة والكندرة والجوارب: المسح على الخُفَّين مما ثبت في الشرع بالإجماع، ولم يخالف فيه إلا فرق ضالة، خارجة عن الكتاب والسنة، كما أن الجزمة والكندرة والجوارب، من جنس الخفِّ، كما جاء صريحا في حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فأصابهم برد، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح، قال الخطابي: "يقال: إن أصل ذلك كلُّ ما يُسخَّن به القدم، من خفٍّ وجوربٍ ونحوهما" معالم السنن 1/111، كما يمسح على الجوارب بدون شرط فيها على الصحيح، مادام صالحا أن يطلق عليه اسم الجورب، ويلحق بذلك في الحكم البوت والبسطار واللفائف الطبية، وغير الطبية. المسح على الشماغ والغترة والطاقية ونحوه: المسح على العمائم والخمار المدار تحت الحلق مما ورد به السنة، ففي صحيح البخاري عن عمرو بن أمية رضي الله عنه أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخُفَّيْه"، وقد ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها مسحت على الخمار، وإنما يمسح عليهما لمشقة النزع، فما كان شاقًّا في نزعه أُلحق بهما في الحكم، وبالنظر في الشِّماغ والغترة والطاقية والطربوش ونحوه لا يجد أدنى مشقة في نزعها، ومن ثم فلا يجوز المسح عليها، إلا إن لبس أحد هذه الأغطية على وجه يشقُّ نزعه، فيثبت له حكم العمامة والخمار. المسح على الجبس واللفائف واللصقات الطبية: مما تقرر عند الفقهاء جواز المسح على الجبيرة، ويلحق به في الحكم ما جدَّ في هذا العصر مما يسمى بالجبس، أو اللفافات التي تكون على الجروح، أو اللصقات الطبية، فإن كانت في مواضع الوضوء جاز المسح عليها، وكذا في الغسل فإن المشروع أن يمسح عليها إن كان في نزعها عليه ضرر، فإن انتفى الضرر وجب النزع. المسح على الباروكة والشعر المزروع: بداية لابد أن نعلم أن لبس الباروكة من الأعمال المحرمة، وهو من الوصل المحرم، الذي ورد الشرع بلعن فاعله، باسثتناء ما إذا كان لحاجة ماسة، كحالات الصلع عند النساء، فيباح لها لبس الباروكة، غير أن الواجب نزعها عند المسح في الوضوء، إن كانت تُنزع؛ لأن الواجب في الوضوء مسح الرأس، قال تعالى: ] وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ [ المائدة-6، فإن مسح عليها والحال كذلك لم تصح طهارته، وإن كانت لا تنزع إلا عند الطبيب، أو يترتب على نزعه مشقة أو ضرر، مسح عليه في الوضوء، وغسله في الغسل، والحكم كذلك في الشعر المزروع. المسح على الشعر الملفوف: الواجب على المسلم إذا أراد الوضوء أن يمسح رأسه، عملا بالآية السابقة، فإن كان شعر المرأة ملفوفا، ونحوه، فإنه لا يجب عليها فكُّه، وإرساله، بل يجزئها أن تمسح عليه وهو على حاله، أما الغسل فيجب عليها أن تفيض عليه الماء حتى يصل إلى المنابت دون فكِّه، وهو صريح السنة، قال ابن القيم رحمه الله: "حَدِيث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَة أَنَّ تَنْقُض شَعْرهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَة, وَهَذَا اِتِّفَاق مِنْ أَهْل الْعِلْم, إِلا مَا يُحْكَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا: تَنْقُضهُ, وَلا يُعْلَم لَهُمَا مُوَافِق".أهـ. تهذيب السنن. نوازل التيمُّم: المسح على الجدران المدهونة بالبوية، وعلى المسلح ونحوه: هذه المسألة من المسائل التي اختلف أهل العلم فيها، ومنشأ الخلاف فيها هو بسبب: هل يشترط فيما يُمسح عليه أن يكون له غبار، أو يكفي كونه من الأرض؟ والأقرب أنه لا يشترط أن يكون له غبار، بل كل ما كان على سطح الأرض جاز التيمم به، سواء كان رملا أم صخرا أم حجرا، وهو ما دلَّت عليه السنة، فقد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم على جدار كما في البخاري (325)، وعليه فيجوز المسح على جدار الأسمنت، والبلاط، لأنهما يتكونان من أحجار وتراب وغيره مما على وجه الأرض، ولا يجوز التيمم على الجدار الذي عليه دهان، أو الفُرُش؛ لأنها ليست مما على وجه الأرض، إلا ما كان من ذلك عليه غبار، فيجوز التيمم عليه. نوازل إزالة النجاسة: التنظيف الجاف، أو التنظيف بالبخار: التنظيف الجاف عبارة عن إزالة النجاسة والأوساخ بمزيل سائل غير الماء، مع استعمال بخار الماء، وهذه المسألة مبنية على تصحيح القول بأن النجاسة عينٌ خبيثةٌ تزول بأي مزيل، فإذا زالت زال حكمها، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم، وهو اختيار شيخ الإسلام؛ وعلة ذلك أنها عين نجسة، فمتى زالت زال حكمها، واشتراط أن يكون المزيل ماءً محل نظر، نعم الإزالة بالماء أسرع وأقوى، لكن لا يعني أن الماء شرط في الإزالة، بدليل التطهر بالاستجمار، والذي أثبته الشرع، وبناء عليه فإنه إذا زالت العين النجسة بهذه الطريقة تماما، فقد حصل مراد الشرع. المنظفات والعطور وأدوات التجميل التي يكون في تراكيبها شيء من النجاسات، كدهن الخنزير ونحوه: هذه النجاسات لا تخلو من أمور: الأول: أن تتلاشى تلك النجاسات وتستهلك تماما، بحيث لا يظهر لها أثر في تلك الأشياء، فاستعمالها جائز ولا بأس به، والقاعدة: أن العين التي تنغمر في غيرها وتستهلك لا حكم لـها. الثاني: أن تستحيل هذه المركبات النجسة، وتنقلب إلى عين أخرى، وهذا مبني على الخلاف في الاستحالة، والراجح أن الاستحالة تُصيِّر الأعيان النجسة إلى أعيان طاهرة، وبالعكس، كما هو اختيار شيخ الإسلام، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة (12556). الثالث: إذا كانت هذه التركيبات لا تزال باقية، فالصحيح عدم جواز استعمالها على وجه يتعدى؛ لأن الواجب على المسلم تجنب النجاسات، لا التطهر بها واستعمالها، وهو ما عليه أكثر أهل العلم. أما ما كان فيه شئ من أجزاء الأجنة، فإنه لا يجوز استعماله أصلا، لحرمة الآدمي، ناهيك عن الجرائم العظيمة التي تفعل من أجل تحصيل تلك الأجنة، مما يزيد في حرمة هذا الأمر. نوازل قضاء الحاجة: استقبال القبلة في الحمام في البنيان واستدبارها: تقرَّر تحريم استقبال القبلة بغائط أو بول في الفضاء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم الثابت الصحيح في هذه المسألة، واختلف أهل العلم في قضاء الحاجة في البنيان، والراجح فيما كان مبنيا بالفعل من الحمامات مستقبلَ القبلة أو مستدبرها أنه لا بأس باستقبالها أو استدبارها، وعلى هذا تحمل النصوص التي وردت في جواز ذلك، أما ما لم يُبنَ، أي: في طور البنيان، فإن النهي عام يشمل الفضاء والبنيان، فيجب على المسلم تحري عدم استقبال أو استدبار القبلة عند بدء البناء، وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة، والله أعلم. دخول الحمام بالجوال وعليه القرآن، أو السلاسل ونحوها: أجهزة الجوال التي يحفظ عليها القرآن في حال ستر الآيات لا تأخذ حكم المصحف، ومع ذلك فالأولى ألا يدخل بها المراحيض والأماكن المستقذرة؛ تنزيها للقرآن عن الامتهان، ويزداد الاحتياط إن كان بعض الآيات أو ألفاظ الذكر خلفيةً لذلك الجوال؛ أو كان الجوال مفتوحا عليها؛ لأنها حينئذ تكون ظاهرة، وليست مستورة. أما السلاسل فإن الآيات القرآنية تكون عليها ظاهرة معلنة، وعليه فإنه يكره دخول الحمام في هذه الحال، وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن أحمد، فإنهم نصوا على أنه يكره دخول الحمام لمن يحمل دراهم عليها ذكر الله، والله أعلم. دخول الحمام بالسِّدِيهات أو الأشرطة التي عليها القرآن: الحكم في هذه المسألة يتساوى مع الجوال في حال ستر الآيات، فإن هذه السِّدِيهات والأشرطة لا يمكن أن ترى فيها هذه الآيات أو الذكر ونحوه، وعليه فلا حرج في دخول الحمام بها، مع كون الأولى عدمه. نوازل الحيض والنفاس: مس الحائض أو النفساء للقرآن في الجوال أو السبورة: اختلف أهل العلم في الحائض، هل لها أن تقرأ القرآن أم لا؟ والراجح أن الحائض يجوز لها قراءة القرآن دون مس المصحف، حيث لم يقم دليل صحيح يمنعها من القراءة، وهو اختيار شيخ الإسلام، والشيخ ابن باز رحمهما الله، وإن كان الأحوط تركه إلا لحاجة. أما مسُّ المصحف فجمهور أهل العلم على منعها من مس المصحف إلا بحائل، كالقفاز ونحوه، وبناء على ذلك فإنه يجوز للحائض أن تقرأ من الجوال، ولا يعتبر مسُّ واجهة أو خلفية الجوال مسًّا للمصحف؛ لأن الممسوس هو الجوال، وليس المصحف، فالقرآن الموجود في المصحف يختلف عن الموجود في الجوال من وجهين: الأول: من حيث الثبات، فالقرآن في المصحف ثابت في ورق لا يزول، بخلاف القرآن فإنه لا يظهر في الشاشة إلا عند الطلب، ويزول عند إلغاء البرنامج، والمقروء في الواقع عبارة عن ذبذبات ضوئية قد وضعت في الجوال عبر برامج إلكترونية وتقنية معروفة، وليس من الورق. الثاني: أن القرآن في المصحف لا حائل بينك وبينه، بخلاف الجوال فتحول الشاشة وما تحتها عن لمس الآيات. أما مس اللوحة أو السبورة التي كتب عليها القرآن فلا يظهر أن هذا فيه بأس؛ لأن اللوحة ليست مصحفا، ولا في حكم المصحف، غير أنه لا يجوز للحائض أو النفساء أن تكتب القرآن بيدها؛ لكونه مسًّا مباشرا لما تكتبه، وهو من القرآن، أما التفسير الحديث والفقه ونحوه فلا بأس بكتابتها إياه. والله تعالى أعلم. كتبه:د.محمد بن موسى الدالي في:١٤٣٠/٤/١٣هـ
 
المادة السابقة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف