خزانة الفتاوى / منوع / هل يجب علي توفيرُ مالٍ للورثة

هل يجب علي توفيرُ مالٍ للورثة

تاريخ النشر : 19 شعبان 1440 هـ - الموافق 25 ابريل 2019 م | المشاهدات : 1621
مشاركة هذه المادة ×
"هل يجب علي توفيرُ مالٍ للورثة"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
السؤال: هل يجب علي توفيرُ مالٍ للورثة، فلا أعطي أو أهب أبنائي وبناتي، حتى أترك مالا لورثتي؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. كثر السؤال عن هذه المسألة، فربما قال قائل: أخشى أن أعطي أبنائي فأحرم أخوتي من الإرث، أو أحرم أبناء عمي، وهذا يتكرر عشرات المرات، مما يدل على وجود أصلٍ تَوَهَّم منه الناس هذا المعنى، غير أن أكثرهم أو كلهم يتناقل هذا من الموروث، ولا يعرف لذلك أصلا أو دليلا يبني عليه هذا الظن، ولم أجد مستندا لذلك بعد التأمل، غير ما أخرجه الشيخان في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أراد الوصية بثلثي ماله أو شَطْرِه، فقال عليه الصلاة والسلام : (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ). وهذا المعنى باطل من وجه أربعة: أولا: أصول الدِّين على جواز إنفاق المسلم جميعَ مالهِ في الدنيا، مادام بغير سَرَف، ولا تبذيرٍ، وعلى جوازِ هبته مالَهُ لمن شاء من الناس في حياته، فإن كانت الهبة في أولاده كانت بشرط العدل، وإن كانت في غيرهم، فبشرط كونها في مباح، وكذا اتفقت الشريعة على أن له أن يتصدق بجزء ماله، أو كل ماله، دون نكير. ولم يرد نص واحد في الإسلام يمنع المسلم من الإنفاق أو الصدقة من ماله، إلا ما كان على وجه محرم، كالنهي عن إضاعة المال، أو الإسراف ونحوه، فإن سَلِمَ من ذلك جاز له التصرف مطلقا. فقد تصدق أبو بكر رضي الله عنه بكل ماله، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وتصدق عمر رضي الله عنه بنصف ماله، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومازال الصحابة رضي الله عنهم يتصدقون الصدقات العظيمة الكبيرة، ولم يرد الإنكار عليهم البتة، سيما مع حسن التوكل والثقة بما في يد الله تعالى، وعدم التحسر على ما أنفق، بل جاء الترغيب في ذلك، والصدقة تشمل الصدقات الواجبة والنفل والهبات والعطايا والأوقاف وغيره. ثانيا: قصة سعد رضي الله عنه في الوصية، ونفاذ الوصية يكون بعد الموت، وليس في الحياة، ولا شك أن الإبقاء على المال للورثة -وبخاصَّةٍ الأقربون منهم- أولى من الوصية لأجنبي، إلا بالثلث كما دل عليه الحديث، وقد أراد سعد رضي الله عنه أن يوصي بثلثي ماله، فنهاه الشارع عن ذلك، وَرَدَّه إلى الثلث، قائلا صلى الله عليه وسلم: (الثلثُ والثلثُ كثيرٌ). فالتصرُّفُ إذن كان بعد الموت، وليس في الحياة، فلم ينهَهُ عن التصدق أو هبة ماله في حياته، إنما بعد موته، لوجودِ مَنْ هم أولى بالمال من الأجنبي. ثالثا: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) ليس في عامة الورثة، إنما فيمن تلزمُهُ نفقتُهم من الورثة، والذين بموت هذا الشخص يكونون فقراءَ، يتكففون الناسَ، كما هو واضح في النص، ومثل هذا لا ينطبق على عم أو ابن عم أو ابن أخ ونحوه، إنما يكون غالبا في الأولاد، والأصول من أب وأم، والزوجات، ونحوه، ممن تلزم نفقتُهُ حالَ الحياة. رابعا: في الصحاح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله ، واعدلوا في أولادكم. فغاية ما وجَّه إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم العدلَ في الهبة بين الأولاد، ولم يقل له: وماذا ستترك لبقية الورثة مثلا، أو سأله هل لك ورثة آخرون؟ أو نحوه، إنما فقط أمر بالعدل بين الأولاد في باب الهبات. وعليه فلا بأس للشخص أن ينفق من ماله في حياته ما شاء أن ينفق، ما دام في غير طريق محرم، وله أن يتصدق على من يشاء، ولو نفد كل ماله، مع حسن التوكل، وعدم خشية الفقر والحاجة، أو الحسرة على ما أنفق، فيقعد ملومًا محسورًا، وله أن يهب بناته أو أبناءَه ما شاء من ماله، مادام بالعدل، وله أن يهدي زوجته أو زوجاته، أو يهبهم ما شاء من ماله، ولا يمنع من ذلك بفهم خاطيء للحديث السابق. والله ولي التوفيق كتبه: د. محمد بن موسى الدالي في 20/8/1440هـ
 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف