الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه قد توهَّم كثير من الرجال معانِيَ فاسدةً في لفظ الحديث الوارد في الصحاح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟! قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا).
فليس في الحديث حجة للرجال على النساء، أنه كلما أراد أن يسفِّه رأيها قال لها: ناقصة عقل ودين!! وليس على النساء انتقاص بهذا اللفظ، كما توهمه بعض النساء، بل ربما ردَّت الحديث كُليةً، لأنه -على زعمها- يتعارض مع خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومعنى الحديث واضح، فهو مجرد كاشف لحقيقة حال المرأة، إما من حيث القدرة والضبط العقلي في باب الشهادات، فهي أضعف حفظا، وربما كان السبب في ذلك هو كثرة المهام التي تقوم بها المرأة على مر عمرها، وإما من ناحية التحصيل الديني.
فنقصان العقل، ليس المراد به الطيش والسفه وقلة الحكمة، إنما هو نقصان في باب الخبر والشهادة؛ ولذلك اعتبر القرآن شهادتها على النصف من شهادة الرجل؛ معللا ذلك بقوله: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى)، فالضعف في الشهادة، هو فقط نقص العقل، الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وليس النقص العام في العقل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ -يوافق القرآن بذلك-قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا".
فبين أن نقصان عقلها هو في هذا الباب، والذي يمكن جبره بشهادة امرأة اخرى معها.
وأما نقصان الدين، فليس المراد قلة التديُّن، والانحلال في الدِّين، حاشاها، إنما المقصود أن تحصيلها الديني أقل من الرجل، وذلك بسبب الحيض الذي يصيبها شهريا من بلوغها إلى إياسها، وكذا النفاس، فيجعلها أقل تحصيلا من رجل في عمرها أو أصغر منها، فهو يصلي الشهرَ كله، ويصوم رمضانَ كله، بينما هي تنقص عنه شهريا، بمقدار ما يفوتها من صلاة وصوم.
فالمراد بنقص الدِّين نقص التحصيل والكَمِّ، وليس نقص التديُّن، وإلا فمعلوم أن كثيرا من النساء متدينات تقيَّات نقيَّات أكثر من مئات بل آلاف الرجال.
هذا ما جرى عليه التنبيه، والله ولي التوفيق.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 21/10/1442هـ