الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن لبس الكمامة للمحرِم، يُبنى على مسألة تغطية الرجلِ وجهَه، وقد ورد في ذلك رواية في الذي وقصته ناقته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تخمروا رأسه ولا وجهه" وقد وقع اضطراب كبير في تصحيح زيادة "ولا وجهه" أو اعتبارها شاذة، والأكثرون على عدم صحتها.
وبناء على هذا القول فإن الرجل لا يحرم عليه أن يغطي وجهه، لعدم ورود ما يمنعه من ذلك، وتكون الكمامة للرجل لا إشكال فيها، ولا يترتب عليها أي حكم، سواء كانت كبيرة تغطي أكثر الوجه، أو صغيرة تغطي بعض الوجه، فلا يلزمه فدية لذلك.
أما من صحح تلك الرواية، فإن تغطية الرجل وجهَه من المحرمات، ويلزمه فدية الأذى إن كانت الكمامة تغطي أكثر الوجه، أما لو كانت صغيرة جدا، بحيث تغطي الأنف والفم فقط، فلا تلحق بتغطية الوجه، ولا يلزم بها شيء.
أما المرأة، فقد ورد في شأنها نهي خاص عن النقاب، والنقاب هو تغطية أكثر الوجه بما يظهر معه العينان، وهو معروف عند العرب، وعند الناس عامة، وعليه فيحرم عليها أن تلبس النقاب، وكذلك القفازين، فإن احتاجت إليه لضرورة ونحوه، فلا بأس عليها في ذلك، وتلزمها فدية الأذى، لحديث عبد اللهِ بنُ مُغفلٍ في الصحيحين، قال: قعدت إلى كعبِ بنِ عُجرةَ رضي الله عنه في المسجدِ فسألته عن هذهِ الآيةِ: { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } فقال فِيَّ أُنزِلت، حُمِلت إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ والقملُ يتناثرُ على وجهي، فقال: ما كنت أرى أن الجهدَ بلغ بك ما أرى! فنزلت فيَّ خاصةً ولكم عامةً، فأمرني أن أحلقَ رأسي أو أنسكَ نُسكًا أو أصوم ثلاثةَ أيامٍ أو أُطعم ستةَ مساكينِ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ مِن حنطةٍ.
ففدية الأذى على التخيير، بين أن يذبح شاة أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، لكن مسكين نصف صاع.
ومعلوم أن الكمامة من حيث هي تشبه تماما النقاب، ولذلك يستغني بها بعض النساء عن النقاب، فتأخذ حكمه، فإن اضطرت إليها لبستها، ولا حرج عليها، لكن تلزمها فدية الأذى.
إلا إن كانت صغيرة جدا، بحيث تغطي الأنف والفم فقط، فمثل هذه لا تشبه النقاب، فيما يظهر لي، ولا يترتب عليها شيء.
تنبيه: على المُحرِم أو المُحرِمة، إن خلا بنفسه، ولم يعد بحاجة إلى الكمامة، عليه أن يخلعها، ولا يجوز له البقاء أو النوم بها، حيث إنها من محظورات الإحرام، وإنما تباح عن الحاجة أو الاضطرار، فإن زالت الضرورة أو الحاجة عاد الأمر لأصله، وهو التحريم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 24/11/1442هـ