الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الرجل إن طلق امرأته دون الثلاث، فإن الحق له في مراجعتها، ولو بغير اختيارها، ما دامت في العدة، والمرأةُ في مدة عدتها زوجةٌ، تبقى في بيت الزوجية، وتتزين لمطلِّقِها، عَلَّهُ يراجعها، وهذا فِقْهٌ يغيب عن كثير من الناس، فكون الزوجة لا خيار لها في مراجعة زوجها لها، وأن القرار بيد زوجها، مادامت في العدة، هذا الأمر بالإجماع، وهو صريح القرآن، فقد قال تعالى في بيان حق الزوج إن طلق زوجته، وأراد مراجعتها، قال تعالى: (وبُعُولتُهن أحَقُّ بردِّهِنَّ في ذلك إن أرادوا إصلاحا) فجعل الحق في الرجعة للزوج، دون غيره، ولو بغير إذنها، وسماه بَعلًا، فهو زوج ما بقيت العدة، وكلا الأمرين ثابت بالإجماع، لا خلاف فيه.
وتكون الرجعة من حيث الأصل بالقول، بأن يقول لطليقته: راجعتك أو رددتك، أو أي كلمة جرى بها العرف في الرجعة، ويسن له الإشهاد على رجعته.
وسواء راجعها مباشرة، بمخاطبته له مصارحة، أو راجعها وهي غائبة، فمجرد إقراره على نفسه بالرجعة، فهي رجعة.
وتصح الرجعة بالجماع على الأرجح من أقوال أهل العلم، لكن بشرط أن ينوي بالجماع المراجعةَ، كما هو مذهب مالك، ورواية عن أحمد، واختيار شيخ الإسلام واختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، فإن أراد مجرد إشباع الشهوة، فلا تعد رجعة بذلك.
وذهب الحنفية في المشهور عنهم، وهو المشهور أيضا عند الحنابلة إلى أنها رجعة، ولو لم ينوِ، وكلامهم أرجح، فالمطلقةُ زوجةٌ كما سبق، والرجل لا يحتاج إلى نية في جماع زوجته بالإجماع، فمجرد وطئه لها، وجماعه إياها يدل على رغبته في استمرار الزوجية، فتحصل الرجعة بمجرد جماعها.
وأما دعوى أن مجرد الوطأ قد يحصل من الرجل لأجنبية، فيكون أشبه بالزنا !! فهذا ليس في بيتٍ قائمٍ أصلا على الزوجية، فالمطلقة الرجعية زوجة بنص الكتاب العزيز، فكيف تلحق بالأجنبية في الوطأ؟!!!
فالأرجح والله أعلم أن الجماع، ولو بغير نية، تحصل به الرجعة.
تنبيه: مما يجدر التنبيه عليه ما تفعله بعض المطلقات الرجعيات، إن أراد زوجها أن يراجعها، أنها تمتنع منه، وترفض أن يجامعها، ولو أنها تركته، وغاية ما يقال لها أن تأمره بنية الرجعة احتياطا، لكن أصلح لهما، وأقوم وأدوم لبيت الزوجية.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 24/2/1443هـ