الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه لكثرة ما يرد علي من أسئلة في موضوع مراجعة المُطَلَّقة، فيحسن كتابة هذا المختصر في هذا الباب، فأقول وبالله التوفيق:
الرجعة: ردُّ الزوجة إلى النِّكاحِ مِن طلاقٍ غيرِ بائِنٍ في العِدَّةِ، مِن غيرِ تجديد عَقدٍ.
وهي مباحة في الجملة، وقد تندب إن كان بقاء النكاح أفضل.
كل ما ورد الإمساك في القرآن فهو الرجعة، كما في قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)، وغيره من نصوص القرآن، وقد يطلق الإصلاحُ على الرجعةِ، كما في قوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا). أي: مراجعة.
كما وردت الرجعة في السنة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حفصة رضي الله عنها، حتى أمره الله تعالى بمراجعتها. صحيح.
كما ثبتت أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم، في ابن عمر رضي الله عنهما: (مُرْهُ، فليراجِعْها). وهو في الصحاح.
الرجعة حقٌّ متمحض للزوج، مادامت الزوجة في فترة العدة، فله الحق كاملا في مراجعتها، عملا بقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)، ولا يشترط رضاها، ولا يشترط أيضا علمها، وهذا بإجماع أهل العلم.
فمتى أقرَّ الزوج أنه راجع زوجته أيام عدتها، ولو في نفسه، فقد رجعت، وحسبت الطلقة عليه واحدةً.
أما إن ادعى الزوج أنه راجع زوجته أثناء العدة، وكانت دعواه بعد انتهاء العدة، فإنه لا يصدق حتى يقيم بينة -شهود ونحوه- على دعواه، وتصدق الزوجة في عدم مراجعته لها بيمينها.
يسن الإشهاد على الرجعة، ولا يجب على الأرجح، عملا بقوله تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
لا حق للزوج في الرجعة، إن كان الطلاق على عوض، أو كان خلعا صريحا أو انتهت العدة.
لكن إن انتهت العدة فله الحق أن يراجع زوجته النكاح بعقد نكاح جديد مكتمل الأركان.
لا رجعة على المطلقة الطلقة الثالثة، بل تبِينُ امرأته منه بالثالثة، ولا يجوز له الخلوة بها أو مخالطتها.
لا رجعة على غير المدخول بها، فإن طلق من لم يدخل بها، فلا رجعة؛ إذ الرجعة فرع العدة، ولا عدة على غير المدخول بها، فَتَبِين من مُطلِّقِها في الحال، وتحل للأزواج بعده.
إن ادعى الزوج أنه راجع زوجته أثناء العدة، وكانت دعواه بعد انتهاء العدة، فإنه لا يصدق حتى يقيم بينة -شهود ونحوه- على دعواه، وتصدق الزوجة في عدم مراجعته لها بيمينها.
ليس للمرأة إن راجعها زوجها مهر، وهذا بالإجماع، فالرجعةُ استدامةٌ للنكاح، وليس إنشاء عقد.
الرجعة تحصل بالقول، بأن يقول: راجعتك، أو رددتك، أو غيره مما استعمل عرفا في الرجعة، وتحصل بالجماع على الراجح من أقوال أهل العلم، واشترطت نية المراجعة عند الجماع، وقيل لا يشترط، وهو أرجح.
أما مقدمات الجماع، من تقبيل وضَمٍّ ولمسٍ ونحوه، فالأرجح أنه يشترط النية، إذ مثل هذا قد يقع، ولا يدل على إرادة الرجل مراجعة امرأته، إلا إن جرى العرف بذلك، واعتبرت المقدمات رجعة، فهي إذن رجعة.
مما يتبع ذلك من أحكام أن المرأة المطلقة الرَّجعية، زوجةٌ، مادامت العدة، فيجري بينها وبين زوجها التوارث، ويباح لها التزين له، بل ويندب، ولا تخرج من بيت الزوجية، حتى تنقضي العدة، ولو مات زوجها أثناء العدة انتقلت إلى عدة الوفاة.
والله تعالى أعلم
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 26/2/1443هـ