الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه كثيرا ما يسأل الناس عن مسألة حلف الرجل على زوجته بالطلاق، كأن يقول: أنت طالق إن خرجت إلى السوق، أو إن ذهبت لفلانة، أو إن لم تفعلي كذا، أو يقول: علي الطلاق ما تذهبي لفلانة، ونحوه.
أولا: لابد أن نعلم أن صيغة الطلاق المنجَّزة، هي قول الرجل لأمرأته: أنت طالق، أو هي طالق، أو امرأتي طالق، فهذا طلاق باتفاق أهل العلم، ولا التفات إلى نية المتكلم به.
ثانيا: أن يحلف صريحا بالطلاق، ولا يعلقه، كأن يقول : على الطلاق لأذهبن إلى فلان، فهذا يمين باتفاق أهل العلم والفقهاء ، كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثالثا: أن يعلق الطلاق كما تقدم على فعل أو ترك، كان يقول: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن ذهبت لفلانة فأنت طالق، فهذا يسمى تعليق الطلاق، وهو أقسام:
- أن يعلِّقه على أمر لا شأن للمرأة به: ولا تقوى على ردِّه، كأن يقول: إن طلعت الشمس، فأنت طالق، أو إن جاء العصر، أو جاء أول الشهر فأنت طالق، فهذه تطلق عند حصول الشرط، بالاتفاق.
- أن يعلِّقه على أمر لا بد لها منه: كأن يقول: إن أكلت أو إن جلست فأنت طالق، فهذا أيضا يقع طلاقه، بمجرد حصول الصفة، وهي أكلها أو جلوسها، ويظهر من ذلك أنه ما أراد منعها من الأكل أو الجلوس، إنما أراد طلاقها.
- أن يعلقه على أمر لها منه بد، ويمكن أن تستغني عنه: كأن يقول: إن أكلت السمك فأنت طالق، أو إن خرجت من البيت فأنت طالق، أو إن ذهبت لفلانة فأنت طالق.
فهنا ينظر لنيِّته، فإن قال: أردت بذلك منعها أو حثَّها على الشئ، فإن الطلاق لا يقع، ويكون هذا التعليق بمثابة اليمين، وكأنه قال: والله لا تأكلي السمك، أو والله لا تخرجي من البيت، لكن لما علم أن تعليق الأمر بالطلاق أعظم وأوقع في نفس المرأة من مجرد اليمين، استعمل هذه الصيغة، فهذا يمين، وهو محكي عن جمع كبير من السلف والصحابة، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا.
وإن قال: أردت بذلك حصول الطلاق عند الصفة المعلق عليها، فهو طلاق واقع عند حصول تلك الصفة المذكورة، فتطلق عند أكلها السمك، أو خروجها من البيت، ونحوه، ووقوع الطلاق في هذه الحال مرويٌّ عن جمع من الصحابة ، فقد روي عن عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَروي عن كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
فالصحيح في هذه المسألة -كما تقدم- التفريق بين التعليق الذي يراد به إيقاع الطلاق، وبين التعليق الذي يراد به اليمين.
هذا مع وجوب تنبُّه الرجال إلى خطر تعليق الطلاق بهذا الشكل، فإن جمعا كبيرا من أهل العلم يرون وقوع الطلاق عند حصول الصفة مطلقا، بمعنى أنها إن خرجت الزوجة، أو أكلت السمك فإنها تطلق بكل حال، دون النظر إلى نية الزوج، فهذا يجب أن يجعل الزوجَ على حذر ،
والله الموفق.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 5/9/1433هـ