الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن النية في الصوم قسمان: الصوم الواجب، والصوم النفل،
أما الصوم الواجب، كصوم رمضان، أو قضاء رمضان، أو صوم الكفارات التي يشترط فيها التتابع، كفارة الظهار أو قتل الخطأ أو كفارة الجماع في نهار رمضان، فإنه تجب النية لذلك قبل الفجر، ويجب أن يستصحب حكمها إلى غروب الشمس، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يُبيّتِ الصيامَ من الليل فلا صيامَ له) صحيح، وحديث: (لا صِيامَ لِمَن لم يُجمِعْ قبلَ الفجرِ)صحيح.
أما الصوم النفل، فلا بأس لو نواه من النهار، ولو انتصف، ولو زاد على ذلك، ويحسب أجره من نية صيامه، لا قبل، شرط ألا يتقدم منافٍ للصوم، من أكل أو شرب أو جماع أو غيره، بعد الفجر، لقول عائشة رضي الله عنها : (دخل عليَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ يومٍ فقال: هل عِندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذًا صائِمٌ) أخرجه مسلم، وهو عام، فيما كان قبل الزوال أو بعده؛ ولو كان الحكم يختلف باختلاف الوقت، قبل الزوال أو بعده، لنبَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وهنا مسائل:
* يجب الجزم في النية، ولا يجوز التردد فيها، فمن تردد فيها، وصام -أي: في رمضان عند الحاجة لذلك- ، لزمه الإمساك، والقضاء، كشخص تردد في سفره غدا من رمضان، فبقي مترددا بين أن يفطر أو يصوم، ولم يسافر، فلا يصح صومه بتلك النية، ويلزمه أن يمسك اليوم، ويقضيه.
* من نوى قطع الصوم أثناءه، قطع، حتى ولو استمر صائما، وهذا عام في كل عبادة ينوي العبدُ قطعَها، إذ صَرَفَ عنها العزمَ الواجبَ لبقاء العبادة واستمرارها، كمن نوى قطع الصلاة أو الوضوء ونحوه، انقطع، ويستثنى من ذلك الحج والعمرة، فيلزمه الاستمرار في فاسدهما.
* من نوى فعل المحظور في العبادة، فإنها لا تبطل إلا بفعله، كمن نوى أن يأكل أثناء الصوم، فإنه لا يفسد الصوم إلا بالأكل، كمسافر قال: إن وجدت الأكل فسآكل، وإن لم أجد فأنا على صومي، فلا يفسد صومه بتلك النية، إنما بالأكل، وهو فعل المحظور، ونظيره، لو كان يصلي، وأراد أن يتكلم، فلا تفسد الصلاة، إلا بكلامه فيها، كما لو كان ينتظر اتصالا هاما، فدخل في الصلاة، يريد إتمامها، لكن نوى إن جاءه الاتصال رد عليه، فتبطل الصلاة بالرد، لا بنية الكلام فيها.
وتلك قاعدة مهمة لطالب العلم: أن من نوى قطع العبادة انقطعت بتلك النية، ومن نوى فعل المحظور فيها، فلا تبطل إلا بفعله.
* من قال: إن كان غدا من رمضان، فأنا صائم، وإلا فأنا مفطر، كشخص في ليلة الثلاثين من شعبان، ولم يُرَ الهلال، حتى المساء، وأراد النوم، وخشي أن يرى الهلال، ولا يُخبَر إلا بعد طلوع الفجر، فقال: إن كان غدا رمضان، فأنا صائم، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، بناء على تردده وعدم جزمه بالنية. والراجح أن صومه يصح على تلك النية؛ لأن التردد ليس في نيته، فهو جازم بالصوم، إنما التردد في ثبوت الشهر، وقد بنى نيته على ثبوته، فمتى ثبت الشهر صحت نيته، وصح صومه.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 10/8/1443هـ