خزانة الفتاوى / تفسير / تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾

تاريخ النشر : 28 صفر 1444 هـ - الموافق 25 سبتمبر 2022 م | المشاهدات : 1277
مشاركة هذه المادة ×
"تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 فإنه قد شاع على ألسنة كثير من الجهال استعمال تلك الآية، في الاستدلال أن الإيمان بالله تعالى أو الكفر به إنما هو عملية تخييرية، والآية تؤكد على جواز الإيمان أو الكفر، وأن العبد مخير بينهما!! 
وهذا محض سفه وجهل وعدم دراية بأسلوب العرب، وأسلوب القرآن، فإن الآية إنما سيقت بهذا النسق للتهديد والزجر والوعيد، وليست للتخيير في قول أحد من أهل التفسير عامة.
فأسلوب التهديد من جملة الأساليب الواردة في كتاب الله تعالى، والجارية على قول العرب، وما عرفوه، لذلك نجد من أساليب التهديد أن الله تعالى يأمر بالكفر، كما في قوله تعالى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيْنَٰهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} 
وقوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖإِنَّكَ مِنْ أَصْحَٰبِ ٱلنَّارِ}.
فهل سيخرج علينا جاهل، ويقول: الكفر مأمور به في كتاب الله العزيز؟!
ومن التهديد أيضا قوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) فليس في الآية الدعوى أو التفويض للانطلاق في عمل الباطل، والوقوع في الحرام، إنما هو تهديد ووعيد، لذا قال المفسرون: (فهذا وعيد لهم من الله خرج مخرج الأمر)، لذا أتبعها بقوله: (إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) مهدِّدًا ومحذِّرًا لهم.
فالتهديد في تلك الصيغ واضح، ولذلك يتبعه الله تعالى غالبا بالعقوبة، وهو تماما في تلك الآية: ﴿فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ** إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ* وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) فهذا واضح في أن اختيار الكفر والظلم خطر عظيم، وأن من اختاره فتلك عقوبته، نارٌ أحاط بهم سرادقها، وإن استغاثوا يغاثوا بماء كالمهل، يشوي الوجوه، نسأل الله تعالى السلامة.
ولو أن هذا القائل كلف نفسه، وقرأ ما قبل تلك الآية لعلم أنها لم تجرِ مجرى التخيير بحال، فقد قال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاه وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ثم قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فنهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع الغافين عن ذكره، ومن كان أمره فرطًا ضائعًا تائهًا، ثم أتى بهذا الوعيد: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).
فإن الكلام قد سيق مساق التهديد والزجر، فتكون تلك الآية من جنس قوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا به أو لا تُؤْمِنُوا}.
فليس في الآية معنى التخيير، لا من قريب، ولا من بعيد، إلا في نظر من طمس الله تعالى بصيرته، وجهل لغة العرب، ولغة القرآن، ووعيد الله تعالى للعباد، حال عصيانهم وكفرهم، وخروجهم عن شرعه ودينه.
والله المستعان 
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 16/2/1444هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف