مقالة "أختك وأخوك، أهم من زوجتك وابنك" مخالفةٌ لما اتفق عليه أهل العلم من تقديم الزوجة والعيال على سائر الأقارب، في النفقات وما يلحق بها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد سئلت حديثًا عن تلك المقالة: "أختك وأخوك، أهم من زوجتك وابنك" .. مع بعض الإضافات غير اللائقة في الكلام، كقول: "زوجتي أطلقها أي وقت، بينما أختي لا!!!" فهذا يفتح بابًا عظيمًا للشر في بيوت المسلمين، والله المستعان.
فهذا الكلام -مع كل التقدير والاحترام لمن يقوله- هو كلامٌ عاطفيٌّ، غير منضبط، شرعًا، ولا فقهًا.
نعم، نسلم للقائل أن الإحسان إلى الأخت والأخ، سواء من الرجل أو المرأة، من أعظم صور صلة الرحم، ويندب للمسلم أن يبقى مادًّا يدَ العونِ إليهما، لا يشكك في ذلك عاقل، فضلا عن مسلمٍ، متحلٍّ بالإسلام والإيمان!!
أما أن يُقدَّموا في المرتبة على الزوجة أو الأبناء!! فهذا لم يقله أحد من أهل العلم، بل أصول الشريعة على أن حقوق الزوجة والأبناء مقدَّمة على كل أحد، بعد النفس، بل حتى تقدم على الأم والأب، فضلا عن الإخوة والأخوات.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَصَدَّقُوا، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ : عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَال: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ. رواه أبو داود والنسائي بسند حسن.
وعن جابر رضي الله عنه: {ابدأْ بنفسك فتصدَّق عليها، فإن فضَل شيءٌ فلأهلِك، فإن فضَل شيءٌ عن أهلِك فلذى قرابتِك، فإن فضَل عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا وهكذا). صحيح الجامع.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: { أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول }.
فأول مراتب وجوب النفقة على النفس، ثم الزوجة والعيال، ثم ذوي القرابة، الأم والأب والأخوة والأخوات ونحوه، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، لم يعلم قط أن أحدا قدم الوالدين على الزوجة والعيال، فضلا عن أن يقدم الأخوة والأخوات!!
ومن كلام الفقهاء:
قال ابن قدامة: ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله عنه: (إذا كان أحدكم فقيرا فيبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فعلى عياله، فإن كان له فضل فعلى قرابته).
وفي كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: "إذا تعدد مستحقو النفقة ولم يكن لهم إلا قريب واحد، فإن استطاع أن ينفق عليهم جميعاً وجب عليه الإنفاق، وإن لم يستطع بدأ بنفسه، ثم بولده الصغير أو الأنثى أو العاجز، ثم بزوجته. وقال الحنابلة: تقدم الزوجة على الولد".
قال المرداوي: " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا بِالْمَعْرُوفِ .. إذَا فَضَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ ".
وقال النووي: " إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم، نظرَ: إن وفَّى ماله أو كسبه بنفقتهم، فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد، قدَّم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب .. لأن نفقتها آكد، فإنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار".
فلا يُعرف أن أحدًا نازع في تقديم نفقة الزوجة والأولاد على سائر الأقارب، بما في ذلك الوالدان، وإنما النزاع في تقديم الأولاد على الزوجة أو العكس.
فأرجو الله تعالى لقائل هذا الكلام أن ينبِّه الناس على ما وقع له من سبقِ لسانٍ بما قاله، وأن يبين أن مراده أنه لا ينبغي أن يغيب عن خاطرك إكرام أهلك، من أخوة وأخوات.
وهذا أمر لا شك فيه ، فقطعا من الإحسان مراعاة أحوال الأخ والأخت، وأنه لا ينبغي أن يعطي إخوانه وأخواته من زكاة المال -مع كونه جائزًا بلا شك- لكن لو ادَّخر الزكاة لمستحقيها، من فقراء ونحوهم، ثم أعطى إخوانه وأخواته من حُرِّ ماله، لا من زكاته، فهو حسن، وليس على وجه الوجوب.
فمن الإحسان قطعا إكرام الأخت والأخت بكل ما تملك، لكنهم شرعًا في مرتبة أدنى عن الزوجة والأولاد، والتصريح بأنهما أهم من الزوجة والأولاد ليس شرعيا، وفيه خطورة على البيت المسلم في الجملة.
وماذا لو قيل للزوجة: أخوك أهم من زوجك، ومن ولدك! واقتنعت بذلك؟! فهو مفضٍ إلى شرٍّ كبير،
نسأل الله تعالى السلامة والعافية
نسأل الله تعالى السلامة والعافية
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 24/10/1445هـ